بعثين ، وصادرا عن علّتين مستقلّتين.
٢٦٩ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( لا مجرّد كون الأسباب الشرعية معرّفات ... الخ ) (١).
لأنّ فعلية المعرّفية (٢) تستدعي معرّفا برأسه كالسببية ؛ إذ المعرّف ما يوجب الكشف التصديقي دون التصوّري ، ولا يعقل تعدّد الكشف التصديقي بالنسبة إلى شيء واحد بخلاف الكشف التصوّري ، فإنّه يتعدّد مع وحدة المكشوف بالعرض ، لا المكشوف بالذات ؛ لتشخّص الكشف وتقوّمه بالمكشوف في مرتبته ،
__________________
(١) كفاية الأصول : ٢٠٥ / ١.
(٢) قولنا : ( لأنّ فعليّة المعرّفيّة ... الخ ).
لا يخفى عليك أن المعرّف هنا ما يكون بوجوده كاشفا عن موجود آخر ، وليس المراد منه ما هو المرسوم في علم الميزان : من تعريف الشيء من حيث ماهيته بماهية اخرى : جنسية ، أو فصلية ، أو هما معا ، أو بماهية تلزم ماهية الشيء ، فحيث إن المقام هناك مقام التحديد ، فلا بدّ فيه من صدق المعرّف على المعرّف.
وأمّا فيما نحن فيه فلا يعتبر إلا الانتقال من موجود إلى موجود آخر ، فلا موجب للصدق حتى يقال : إن المعرّف بمعنى لازم الحكم أو معلوله يستحيل صدقه على ملزوم الحكم أو علّته ـ أي ملاكه أو موضوعه ـ ؛ إمّا للزوم الخلف واجتماع المتقابلين لفرض لزوم صدق اللازم على الملزوم والمعلول على العلة ، وإمّا لأنّ الحكم متأخّر عن علّته ، فلا يعقل أن تكون علته معرّفة له مع تأخّر المعرّف عن المعرّف.
وقد عرفت فساد المبنى ، وهو لزوم الصدق ، مع أنّ المحذور الثاني مندفع : بأن العلم بالشيء وإن كان متأخّرا بالذات عن المعلوم بالذات ، إلاّ أنّ سببه من حيث وجوده العلمي دائما متقدّم على المعرّف والمكشوف بوجوده العلمي ، وإن كان تارة ـ بوجوده العيني ـ متقدّما عليه كالانتقال من العلّة إلى المعلول ، واخرى متأخّرا عنه كالانتقال من المعلول إلى العلّة ، وثالثة له المعية معه وجودا كالمعلولين لعلّة واحدة ، وتقدّم سبب الانتقال على المنتقل إليه ـ وجودا وعلما ـ لا ينافي تأخّر نفس الانتقال عن ذات المنتقل إليه. فافهم ، فإنّه حقيق به. [ منه قدّس سرّه ].