قلت : الفرق أنّ مراتب الأعداد وإن تألّفت من الآحاد ، إلاّ أنّ الواحد ليس مادّة لفظ العشرة ؛ كي يكون له الشمول ، بل العشرة له مفهوم يباين سائر المفاهيم من مراتب الأعداد حتى مفهوم الواحد. بخلاف ( الرجل ) الواقع بعد ( كلّ ) ، فإنه صالح للانطباق على كلّ رجل في حدّ ذاته ، وبواسطة الأداة صار ذا شمول واستغراق ؛ بحيث لا يشذّ عنه فرد ، ولعلّه ـ قدس سره ـ أشار إلى ما ذكر بقوله : ( فافهم ) (١).
٢٨٨ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( ربما عدّ من الألفاظ الدالة على العموم ... الخ ) (٢).
بيانه : أنّ الدالّ على العموم : إما أن يكون أداة مثل ( كلّ ) ، أو وقوع النكرة في سياق النفي أو النهي ، أو كونه محلّى باللام جمعا كان أو مفردا.
أمّا لفظة ( كلّ ) وشبهها فربما يقال : إنّ سعتها وشمولها حيث إنّه تابع لسعة المدخول وضيقه ـ إن مطلقا فمطلقا ، وإن مقيّدا فمقيّدا (٣) ـ فلا بدّ من أن يحرز إطلاق مدخولها بمقدّمات الحكمة ، فإنّ المفروض أنّ لفظة ( كلّ ) بمعناها لا اقتضاء بالإضافة إلى إطلاق مدخوله وتقييده ، وإلاّ لزم الخلف من تبعية سعتها لسعة المدخول وضيقه ، أو لزوم التجوّز فيها إن كان مدخولها مقيّدا.
والجواب عنه : أنّ الخصوصيات اللاحقة لمدخولها : تارة تكون مفرّدة له ، واخرى تكون من أحوال الفرد ، فإن كانت مفرّدة له فلفظة ( الكلّ ) تدلّ على السعة من جهة المفرّدات ؛ لأنّ العموم بلحاظ الأفراد ، كما أنّه إذا كانت من أحوال الفرد ، فسعة لفظة ( كلّ ) أجنبية عنها ، وإنما هو شأن الإطلاق المستفاد
__________________
(١) الكفاية : ٢١٦.
(٢) كفاية الأصول : ٢١٧ / ٥.
(٣) الأصح : ( إن مطلقا فمطلق ، وإن مقيّدا فمقيّد ) ، وقد تقدّم نظيره.