مع أنّ التدقيق يقضي : بأنّ التخلّص كالابتلاء ، فكما أنّ الابتلاء بالشيء غير الشيء ، بل عنوان ثبوتي ملازم له ، كذلك التخلّص غير ترك الشيء ، بل ملازم لتركه لا مطلقا ، بل عند الابتلاء بنقيضه فهما عنوانان متضادّان.
ومنه تعرف : أن التخلّص حيث إنه عنوان ثبوتي مضادّ لعنوان الابتلاء ، فلا يعقل أن يكون عنوانا للترك ؛ إذ العنوان الثبوتي لا ينتزع من العدم والعدمي ، فتدبّر جيّدا.
ومما ذكرنا ظهر ما في تقريرات بعض الأعاظم لبحث شيخه العلاّمة الأنصاري ( قدس سرهما ) حيث ذكر (١) أوّلا : أنّ الخروج تخلّص ، وذكر ثانيا : بل لا سبيل إليه إلاّ بالخروج ، فإنّ تعنون الخروج بعنوان التخلّص غير مقدّميته له ، مع أنّ الكلام في الأوّل ، مضافا إلى ما في الجميع من المحاذير.
هذا كله بناء على أن المصلحة نفسية.
وإن كانت المصلحة مصلحة مقدّمية : فالكلام تارة في أصل المقدّمية ، وأخرى في وجوبها هنا :
أما الكلام في المقدمية فقد مرّ تفصيلا في بحث الضدّ (٢) ، وقد عرفت : أنّ فعل أحد الضدّين ليس مقدّمة لترك الضدّ الآخر ، ولا الترك مقدّمة لفعل الضدّ ، بل لو قلنا بالتفصيل بين الفعل والترك ـ نظرا إلى أنّ ترك الضدّ يمكن أن يكون شرطا لفعل الضدّ ، بخلاف فعل الضدّ ، فإنه لا يعقل أن يكون شرطا لترك الضدّ ؛ لأنّ الترك لا يحتاج إلى فاعل وقابل ؛ حتى يحتاج إلى مصحّح فاعلية الفاعل أو متمّم قابلية القابل ـ لما كان هذا التفصيل مجديا هنا ؛ لأنّ المفروض مقدّمية الحركات الخروجية لترك الغصب الزائد.
__________________
(١) مطارح الأنظار : ١٥٣ ـ ١٥٤.
(٢) وذلك في التعليقة ١٠٦ من هذا الجزء.