النار بين نار ونار ، وعدم لحاظ الموجود المتخلّل بينهما لا يوجب الاتّحاد واقعا إلاّ بإلغاء الحدود وملاحظة الوجود بما هو وجود ، وفي هذه الملاحظة لا نار ولا إحراق ولا تأثير ولا تأثّر ، فتدبّره ، فإنه في غاية الغموض والدقّة.
وأما استناد الواحد إلى الواحد بالاجتماع فقد تقرّر في مقرّه (١) أنه فاسد ؛ إذ الوحدة ـ حينئذ ـ اعتبارية لا حقيقية ، فلا تؤثّر أثرا حقيقيا عينيا ، وعلّيّة الصورة المطلقة للهيولى لا تجدي ؛ لما ذكر في محلّه : من أنّ وحدتها العمومية محفوظة بواحد بالعدد ، وهو الجوهر القدسي المفارق ، فهو العلّة ، والصورة شرطه ، وبقية الكلام في محلّه.
هذا كلّه في تداخل الأسباب بمعنى الاستناد إلى الجامع ، وأمّا تداخل الأسباب بمعنى صيرورة السببين عند الاجتماع جزءي سبب ، فهو فاسد ؛ لأنّ المسبّب : إن كان بسيطا ، فلا يعقل علّية المركّب للبسيط الحقيقي ، كما برهن عليه في محله (٢) ، وإن كان مركّبا فكلّ من السببين سبب تامّ لجزء من المسبّب ، وإن كان الاجتماع شرطا في تأثيره أحيانا لكون المسبّب واحدا بالاجتماع ، وكلّ ذلك واضح للخبير ، والتفصيل خارج عن وضع التعليقة.
والتحقيق ـ في الأسباب الشرعية المجتمعة على مسبّب (٣) واحد ـ : هو أنّ معنى سببية الأسباب الشرعية أنّ السبب ـ وهو الإيجاب والتحريم مثلا ، أو اعتبار الملكية والزوجية ونحوهما من الاعتبارات الشرعية بملاحظة ما يسمّى
__________________
(١) الأسفار ٢ : ٢٠٩ ـ ٢١٢ / الفصل : ١٤ في أنّ المعلول الواحد هل يستند إلى علل كثيرة؟ من المرحلة السادسة في العلّة والمعلول.
(٢) الأسفار ٢ : ١٩٤ ـ ٢٠١ / الفصل : ١١ في أنه هل يجوز أن يكون للشيء البسيط علّة مركّبة؟
من المرحلة السادسة في العلّة والمعلول.
(٣) في الأصل : على سبب واحد.