أمّا الأوّل فلفرض بساطته حتى عقلا ، وأمّا الثاني فلأنّ الإذن المطلق لا معنى له ، والإباحة الخاصّة لا تكون لازم الوجوب ؛ إذ ليس كلّ موضوع محكوما بحكمين كما هو واضح.
بل التحقيق : عدم جريان الاستصحاب على الأوّل أيضا حتى على القول باستصحاب الكلّي في القسم الثالث ؛ لأنّ الوجوب إذا كان من الأعراض ، لا حقيقة له إلاّ الإرادة الحتمية.
ومن الواضح : أنّ جنسها الكيف النفساني ، لا الإذن ونحوه ، وأما عدم المنافرة للطبع ، فهو وإن كان لازما لوجوب الفعل واستحبابه وإباحته ، لكنه لا دخل له بالأحكام ، والمقصود استصحاب الحكم ولو بنحو الكلي ، فتدبر جيّدا.
١٣٦ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( غير الوجوب والاستحباب ... الخ ) (١).
لا يخفى عليك أنّ الوجوب والاستحباب ربما يراد منهما الإنشاء بداعي البعث المنبعث عن مصلحة ملزمة أو غير ملزمة ، فلا شبهة في أنهما متباينان عقلا وعرفا ، فإنّهما نحوان من البعث الانتزاعي من منشأ مخصوص وأن التفاوت بالشدّة والضعف غير جار في الامور الاعتبارية.
وربّما يراد منهما الإرادة الحتمية والندبية ، فعلى المشهور هما مرتبتان من الإرادة وهي نوع واحد لا تفاوت بين الشديدة والضعيفة منها في النوعية ، بل في الوجود على التحقيق ، وكما أنّ البياض الشديد إذا زالت شدته ، وبقي بمرتبة ضعيفة منه لا يعدّ وجودا آخر لا عقلا ولا عرفا ، بل وجود واحد زالت صفته ، فكذا الإرادة الشديدة والضعيفة ، والتفاوت في لحاظ العقل والعرف إنّما نشأ من
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٤٠ / ١١.