فالمراد من العبادة الذاتية هنا هو الذاتي بالمعنى الثاني ، فلا ينافي قبحه بالعرض ، فمثل التخضّع ـ للمولى بالركوع والسجود ـ مما ينطبق عليه عنوان الإحسان للمولى وعنوان العدل ؛ حيث إنّ من شأن العبد أن يكون خاضعا لمولاه ، إلاّ أنه ما لم ينه عنه المولى ـ لكونه في مكان لا يليق به ، أو في زمان لا يليق به ، أو في حال كذلك ـ وإلاّ انطبق عليه عنوان الإساءة إلى المولى وهتك حرمته ، وإن كان عنوان التخضّع محفوظا في هذه الحال ، كمحفوظية عنوان الكذب مع عروض عنوان الإنجاء عليه ، بخلاف عنوان العدل والظلم ، فإنّ أحدهما لا يعقل أن يكون معروضا للآخر ومحفوظا مع طروّ الآخر.
٢٣٩ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( بل إنّما يكون المتّصف بها ما هو من أفعال القلب ... الخ ) (١).
فعل القلب وإن كان معقولا ـ كما أوضحناه في محلّه ، والمآثم القلبية أيضا كذلك ـ إلاّ أنه قد ذكرنا في بحث التجرّي (٢) : أنّ عنوان التجرّي وهتك الحرمة من وجوه الفعل وعناوينه ، وأنّ العبد بفعل ما أحرز أنه مبغوض المولى يكون هاتكا لحرمته ، وإلاّ فمجرّد العزم عليه عزم على هتك حرمته.
كذلك البناء على فعل ما لم يعلم أنّه من الدّين بعنوان أنّه منه وإن كان فعلا نفسيا وإثما قلبيا ، إلاّ أنّه بناء على التصرّف في سلطان المولى ـ حيث إنّ تشريع الأحكام من شئون سلطانه ، فيفعل ما لم يعلم أنه من الدّين بعنوان أنّه منه ـ يكون هاتكا لحرمة مولاه ومتصرّفا في سلطانه.
فإن قلت : مقام التشريع ـ الذي هو من شئون سلطانه تعالى ـ مقام جعل
__________________
(١) كفاية الأصول : ١٨٧ / ٤.
(٢) نهاية الدراية ٣ : ١٠ ، في تعليقته على عبارة الكفاية : ( الحقّ أنه يوجبه لشهادة الوجدان بصحّة مؤاخذته ... الخ ) : ٢٥٩.