وأما توقّف الصلاة عن طهارة على الطهارة ، فهو من باب الضرورة اللاحقة ، لا الضرورة السابقة ، ومناط الوجوب الذاتي والامتناع الذاتي والإمكان الذاتي ، ملاحظة مقام الذات كما لا يخفى.
لا يقال : فلا وجه لجعل العادية مقدمة ؛ لأن استحالة الصعود بلا نصب السلم ـ مثلا ـ من باب استحالة وجود الشيء مع عدم علته ؛ حيث إنه لا يمكن الطيران لعدم الجناح ، ولعدم القوة الخارقة للعادة.
لأنا نقول : فرق بين الامتناع بالغير والامتناع بالقياس إلى الغير ، وما هو من قبيل الضرورة اللاحقة هو الأول ، وما هو مناط الاستحالة العادية هو الثاني ، بمعنى أنّ الصعود بلا نصب السلم بالقياس إلى من ليس له قوة عمالة متصرّفة محال ، من حيث إن عدم القوة يأبى ذلك ، لا من حيث إن المعلول ممتنع بعدم علته. فتدبّر ، فإنه حقيق به.
١١ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( فهي أيضا راجعة إلى العقلية ... الخ ) (١).
مقابلة العادية للعقلية مع اشتراكهما في الاستحالة الواقعية بملاحظة أنّ استحالة الكون على السطح بلا طيّ المسافة محال ؛ لاستحالة الطفرة برهانا ، واستحالته بلا نصب السلم ليست لاستحالة الطيران برهانا ، بل لأن الجسم الثقيل بالطبع ليس له الطيران ، بل بقاسر من جناح ، أو قوة خارقة للعادة ، مع إمكان الطيران ذاتا ، فمنشأ الاستحالة في الأول أمر برهاني عقلي ، وفي الثاني أمر طبعي عادي ، وإن كان بالقياس إلى عدم القوة ـ أو مع وصف انعدامها فعلا ـ محالا عقلا.
وبالجملة : أصل طيّ المسافة مقدمة ، ونصب السلم كذلك ، إلاّ أنّ الأوّل
__________________
(١) كفاية الاصول : ٩٢ / ٣.