ومناطات للأمر والنهي ـ غير منحصرة في الجهات الاعتبارية ، بل هي عبارة عن خواصّ وآثار واقعية يجب على الحكيم إيصالها إلى المكلفين بمقتضى الحكمة والعناية ، فمع إمكان استيفاء الغرضين ـ بعثا وزجرا ـ لا بدّ من البعث إلى الصلاة في خارج الغصب ، والزجر عن الغصب بجميع أنحائه ـ دخولا وخروجا وبقاء ـ ومع عدم إمكان استيفائهما معا ـ كما في صورة الانحصار لا بسوء الاختيار ـ يجب استيفاء الأهمّ ، فيؤثّر غلبة الملاك حينئذ في البعث نحو الأهمّ ، دون الزجر عن الخروج وتحصيل المهمّ.

وثانيا : إنّ جهات الحسن والقبح كالمصالح والمفاسد الواقعية ، فإنّ حفظ النفس المحترمة وإن كان حسنا عقلا مع التمكّن ، وتركه قبيح ، لكنه إذا لم يكن بالعدوان على الغير ما لم ينحصر فيه لا بسوء الاختيار ، وأما مع الانحصار بسوء الاختيار فيذمّ على تركه ، كما يذمّ على العدوان على الغير ، وكذلك التخضّع للمولى حسن في نفسه ما لم يكن بالعدوان على الغير ، إلاّ إذا انحصر لا بسوء الاختيار.

والفرق بينهما أنّ حفظ النفس بمال الغير يتحقّق في الخارج ، فلا يذمّ على تركه وإن لم يمدح على فعله ، لكنّ التخضّع للمولى حيث إنه لا بدّ أن يقع قريبا فلا يتحقّق بهذه الصفة إذا تحقّق بالعدوان على الغير ، فيذمّ على تركه أيضا.

وقد مرّ سابقا : أنّ حكم العقل باختيار أخفّ المحذورين ليس من باب التحسين والتقبيح العقليين ؛ حتى يكون نفس هذا الحكم موجبا لاندراجه تحت عنوان حسن بالفعل لخروج أمثاله عن مورد القاعدة المذكورة بوجهين قدّمنا الإشارة إليهما ، فراجع (١).

كما عرفت : أنّ هذا الحكم الإرشادي من العقل أيضا لا يجدي في

__________________

(١) التعليقة : ١٩٢ من هذا الجزء.

۵۱۰۱