٣٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وقد غفل عن أن كونه محركا نحوه يختلف ... الخ ) (١).
قد عرفت مما مرّ آنفا : أن الشوق إلى كلّ شيء يحرّك العضلات نحوه بحدّه ، ولا يعقل أن يتعلّق الشوق بشيء وتكون الحركة إلى غيره ، وإن كان من مقدماته ، نعم ، ينبعث من هذا الشوق شوق إلى مقدّماته ؛ لأنها وإن لم تكن ملائمة للنفس بنفسها إلاّ أنها ملائمة لها بتبع ملاءمة ذيها.
فإن قلت : لو تمّ هذا لتمّ في غير الأفعال التوليدية ؛ حيث إنه لا بدّ فيها من إرادة محرّكة للعضلات زيادة على وجود المقدمات. وأما الأفعال التوليدية فهي تحصل بعد وجود مقدّماتها قهرا بلا إرادة متعلقة بها بعد حصول مقدماتها ، فإرادة الإحراق تحرّك العضلات نحو الإلقاء في النار ؛ إذ لا فعل آخر للعضلات كي يتعلّق به شوق آخر ، واجتماع إرادتين على فعل واحد ذي عنوانين لا معنى له.
قلت : إن كان الفعل التوليدي منطبقا على ما يتولّد منه ؛ بأن يكون الإحراق عين الإلقاء في النار المترتب عليه الحرقة وجودا ، فلا إشكال ؛ إذ الشوق الكلّي إلى الإحراق يتخصّص بالشوق الجزئي إلى الإلقاء في النار ، وإن كان فعلا آخر في طول ما يتولّد منه كما هو الحقّ لاتّحاد الوجود والإيجاد ذاتا واختلافهما اعتبارا. ومن الواضح مباينة وجود الحرقة مع الإلقاء ، فكيف يكون الإلقاء عين الإحراق الذي هو إيجاد الحرقة؟! بل الحرقة ، أثر الإلقاء ، فهو المحرق بالذات لمكان محقّقيته للمماسّة التي هي شرط تأثير النار ، والشخص محرق بالتبع ؛ نظير قيام الضرب باليد ، فإنها الضاربة بلا واسطة ، والشخص ضارب بها.
فحينئذ نقول : إنّ الشوق المحرّك للعضلات منبعث عن الشوق إلى
__________________
(١) كفاية الاصول : ١٠٢ / ١٥.