فهو جعل ما يمكن أن يكون داعيا عند انقياده وتمكينه ، وعليه فلا يعقل البعث نحو أمر استقبالي ؛ إذ لو فرض حصول جميع مقدّماته وانقياد المكلّف لأمر المولى لما أمكن انبعاثه نحوه بهذا البعث ، فليس ما سمّيناه بعثا في الحقيقة بعثا ولو إمكانا.
لا يقال : لو كان الأمر كذلك لما أمكن البعث نحو فعل الشيء في وقته مع عدم حصول مقدماته الوجودية ؛ ضرورة عدم إمكان الانبعاث نحو ذي المقدمة إلاّ بعد وجود مقدّماته ، والمفروض أن البعث إلى مقدماته لا ينبعث إلا عن البعث إلى ذيها.
لأنا نقول : حيث إنّ تحصيل مقدماته ممكن فالبعث والانبعاث إلى ذيها متّصفان بصفة الإمكان ، بخلاف البعث إلى شيء قبل حضور وقته ، فإنّ فعل المتقيّد بالزمان المتأخّر في الزمان المتقدّم مستحيل من حيث لزوم الخلف أو الانقلاب ، فهو ممتنع بالامتناع الوقوعي ، بخلاف فعل ما له مقدّمات غير حاصلة ، فإنّ الفعل لا يكون بسبب (١) عدم حصول علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي ، بل ممتنعا بالغير.
والإمكان الذاتي والوقوعي محفوظان مع عدم العلّة ، وإلاّ لم يكن ممكن أصلا ؛ لأنّ العلّة إن كانت موجودة فالمعلول واجب ، وإن كانت معدومة فالمعلول ممتنع ، فمتى يكون ممكنا؟! وملاك إمكان البعث وقوعيا إمكان الانبعاث وقوعيا بامكان علّته ، لا بوجود علته ، وعدم وجود العلة رأسا لا ينافي امكانها وامكان معلولها فعلا.
__________________
(١) قولنا : ( فان الفعل لا يكون بسبب ... إلخ ).
لا يخفى عليك أن الفعل وإن لم يكن بعدم علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي ، إلا انه بملاحظة عدم سعة أول الوقت للمعلول وعلته يكون صدوره مع صدور علته ممتنعا بالامتناع الوقوعي ؛ للزوم الخلف والانقلاب.