قد مرّ منّا سابقا : أنّ الإنشاء إذا كان بداعي البعث صحّ أن يكون بعثا فعليا ، وإلا فلا ينقلب عما هو عليه.
فالحكم الواقعي : إن كان إنشاء لا بداعي البعث فلا يبلغ درجة الفعلية البعثية أبدا ، وإن كان إنشاء بداعي البعث فتبعيته لمصلحة الفعل تبعية المقتضى للمقتضي ، لا تبعية المعلول للعلة التامة ، فيمكن أن يكون هناك مفسدة مانعة عن البعث الفعلي ، أو أن يكون هناك بعث آخر بالأهمّ ، وإن لم يشترط ثبوت مصلحة فيه زيادة على مصلحة الفعل ، وحينئذ فالبعث المطلق له مانع ، والبعث المعلّق على عدم المانع لا مانع منه.
فالوجه في صحة البعث التعليقي ذلك ، لا كون التبعية في غير مقام الفعلية ؛ لأن الإنشاء بداعي البعث مطلقا واقعا عين البعث الفعلي ، ولا بداعي البعث ليس من مراتب الحكم الحقيقي.
٢٧ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وهل هو إلا طلب الحاصل؟! ... الخ ) (١).
بل الإلزام بتحصيله مناف (٢) لشرطية حصوله بطبعه.
__________________
(١) كفاية الاصول : ٩٩ / ١١.
(٢) قولنا : ( بل الإلزام بتحصيله مناف ... إلخ ).
فإنّ التسبيب إلى إيجاده مع فرض حصوله بطبعه لا بتسبيب منه متنافيان ، لا أن الايجاد في فرض الوجود مرجعه إلى إيجاد الموجود ؛ لأن إيجاده تحقيقا ينافي وجوده تحقيقا لا وجوده فرضا.
وأما طلب الحاصل فغير لازم ، لا في مقام التعلق ، ولا في مقام الاتصاف ، ولا في مقام الامتثال :
أما في مقام التعلق فواضح ؛ إذ المفروض عدم توقف البعث والطلب على ذلك القيد لفرض أخذه قيدا للمادة ، فلا يلزم من تعلّق البعث به طلبه بعد وجوده.
وأما في مقام الاتصاف فإنّ مقام الاتصاف ـ بأن الفعل واجب ـ وهو مرحلة تعلّق الطلب به ، لكنه مع تأخّر رتبة الاتصاف عن رتبة التعلّق ، وإذا لم يتوقف تعلّق الطلب على القيد لا يتوقف اتصاف الفعل بالعنوان الانتزاعي من الفعل على قيده.