الحكم الظاهري لا يكون من باب النسخ.
__________________
والجواب : أنّ القضية الحقيقية وإن لم تكن منوطة بوجود موضوعها خارجا ، لكنّها حيث كانت متكفّلة لإنشاء الحكم بداعي جعل الداعي ، فلا محالة يترقّب منه الدعوة عند وجود موضوعه ، وما كان بهذا الداعي يستحيل منه جعل آخر ـ ولو بنحو القضية الحقيقية ـ بحيث يكون مقتضاه عدم فعلية الحكم ، سواء كان العمل موقّتا بوقت مخصوص ، كصوم شهر رمضان ، أو كان وقته حين فعلية موضوعه باستجماعه لشرائط فعلية الحكم ، فلا مانع من كون الناسخ والمنسوخ متقارنين زمانا في مقام جعلهما بنحو القضية الحقيقية ، وإنّما الممنوع كون الناسخ بمضمونه مقتضيا لرفع الحكم في وقته المقرّر له أو عند فعلية موضوعه.
ثم إنّ الوجه عند دوران الأمر بين التخصيص والنسخ هو الأوّل ؛ لأنّ ظاهر الخاصّ ، مثل قوله : ( لا تكرم العالم الفاسق ) ، هو حرمة إكرام العالم الفاسق في الشرع ، وأنه حكم إلهي في شريعة الإسلام ، لا أنّ مدلوله أنه حكم شرعي من هذا الحين ، وإن كان فعليته من الحين ، وحيث إنّه أظهر من ( أكرم العلماء ) ، فلذا يقدّم عليه ، ويخصّصه.
وأما تقديمه عليه : أما من جهة عدم جريان أصالة عدم النسخ في نفسه فيبقى أصالة العموم وحدها ، فيخصّصها الخاصّ ، وأما من جهة حكومة أصالة العموم على أصالة عدم النسخ ، ففيه بحث :
أما عدم جريان أصالة عدم النسخ في نفسه ، فلأن العامّ له ظهور في شمول الحكم لأفراده فقط ، وليس استمراره قيدا له ملحوظا بلحاظه ؛ لأنه متأخّر عن ثبوت الحكم لموضوعه ، فكيف يعقل أن يؤخذ قيدا للثابت لموضوعه؟!
وفيه : أن شمول الحكم في القضية الحقيقية الكلّية لجميع الأفراد ـ المحقّقة الوجود والمقدّرة الوجود ـ كاف في ثبوت الحكم في الأزمنة المتأخّرة ؛ لأن من جملة الأفراد المقدّرة الوجود هي الأفراد المقدّرة الوجود في الأزمنة المتأخّرة ، فنفس ثبوت الحكم لجميع الأفراد المقدّرة الوجود كاف لبقاء الحكم في الأزمنة المتأخّرة ، من دون حاجة إلى أصل لفظي آخر.
وأمّا بالإضافة إلى الأفراد التي يمرّ عليها الزمان المتقدّم والمتأخّر ، فشمول الحكم لها وان كان لا يجدي فيه بقائه إلى الزمان المتأخّر ، إلاّ أنّ ملاحظة الأفراد مطلقة غير مقيّدة بما هي في الزمان