بل هو من باب التزاحم ، إلاّ إذا علم بكذب أحد الدليلين ، فتدبّر جيّدا.

٢٠٤ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وذلك لثبوت المقتضي في كل واحد ... الخ ) (١).

قد عرفت في مقدّمات المسألة (٢) ثبوت المقتضي ـ بطريقين ـ كلية ، وقد عرفت أيضا فعلية الأمر عند عدم فعلية النهي.

لكنه ربما يشكل : بأنّ عدم فعلية النهي لا يلازم ارتفاع المبغوضية الفعلية ، ومع كونه مبغوضا فعلا كيف يعقل الأمر به؟! وكيف يصدر قربيا؟!

ويندفع : بأن منافاة الأمر ومضادته للمبغوضية إما بنفسه ، أو بلحاظ أثره ، أو بلحاظ مبدئه ، وهو المحبوبية :

أما بنفسه : فهو مقابل للنهي لا لغيره ، وأما بلحاظ اثره وهو القرب ، فهو مقابل للبعد ، والمفروض أن المبغوض الفعلي لا يصدر مبعّدا ، فكيف ينافي صدوره قريبا؟! وأما بلحاظ مبدئه ، وهو المحبوبية الفعلية ، فهي مضادّة مع المبغوضية الفعلية ، على ما هو المعروف من تضادّهما كتضادّ الأمر والنهي.

لكنه يمكن دفع المحذور بوجهين : أحدهما : ما تقدّم منا في مبحث الطلب والإرادة (٣) : من خلوّ الأحكام الإلهية عن الإرادة التشريعية رأسا ؛ لما مرّ (٤) منا : أنّ الإرادة الذاتية في المبدأ الأعلى ليست إلاّ ابتهاج الذات بذاته وحبّ ذاته لذاته ، ومن أحبّ شيئا أحبّ آثاره ، فيكون ما يترشّح من ذاته محبوبا بالتبع ومرادا بالتبع ، فالمراد بالذات ـ في مرتبة الذات ـ نفس الذات ، وغيرها مما ينبعث عن ذاته ـ كجميع مصنوعاته ـ مراد بالتبع ، كما أنّ المعلوم بالذات في مرتبة الذات

__________________

(١) كفاية الاصول : ١٧٥ / ١٠.

(٢) في نفس التعليقة السابقة.

(٣ و ٤) في التعليقة : ١٦٠ من الجزء الأوّل.

۵۱۰۱