موجب للقرب ، وحيث إن الأمر بهذا الغرض ، فلذا يكون الأمر تعبّديا ، فهذا الغرض غرض من المأتيّ به بداعي الأمر ، لا من المأتيّ به فقط.
وهكذا تخفيف العقوبة ، فإنه إن كان غرضا من المأتيّ به فقط كان الأمر به توصليا ، فلا بدّ من تخفيف العقوبة ولو لم يأت به بداعي الأمر ، وإن كان غرضا من المأتيّ به بداعي الأمر ، فمن الواضح أنّ تخفيف العقوبة ليس ـ ابتداء ـ غرضا مترتّبا على المأتيّ به بداعي الأمر ، بل من حيث اكتسابه مقدارا من القرب عقلا ، فيتدراك به مقدار من العقوبة ، وحيث فرض عدم التقرّب لمنافاته مع البعد فلا محالة لا موجب لتدارك العقوبة ؛ حتى يحصل تخفيف العقوبة.
فإن قلت : لا برهان على عدم ترتّب تخفيف العقوبة على المأتيّ به بداعي الأمر من دون ترتّب الثواب عليه ، ولذا لا شبهة في تخفيف دركات الكفار بسبب الأعمال الخيرية ، مع أنه لا يحصل لهم القرب من المولى.
قلت : البرهان عليه : أنّ المأتيّ به بداعي الأمر ـ بما هو ـ لا مضادّة له مع العقوبة ، بل المقابل لها المثوبة ، كما أنّ المقابل للبعد هو القرب ، فالإتيان بداعي الأمر ـ بلحاظ لوازمه ـ يوجب تخفيف البعد والعقوبة ، فإذا فرض أنّ استحقاق الثواب بنفس ما يوجب استحقاق العقاب غير معقول ، وأنّ التقرّب بنفس ما يكون مبعدا غير ممكن ، فتخفيف العقوبة والبعد بما لا يوجب المثوبة والقرب غير معقول.
ولا يقاس بفعلين : أحدهما في نفسه يوجب القرب والثواب ، والآخر بنفسه يوجب البعد والعقاب ، فيتدارك مقتضى أحدهما بمقتضى الآخر إما رأسا ، وإما بمقدار.
وأما حصول القرب المحض فلا يعقل للكافر لفرض بعده بكفره ، فأعماله الخيرية المقتضية لاستحقاق القرب توجب تخفيف البعد له ، فإنّ بعده المفروض لكفره يمنع عن القرب المحض ، لا عن خروجه عن مرتبة من البعد