أما إذا كان الحكم عبارة عن البعث والزجر : فلأن البعث والزجر عبارة عن المعنى الاعتباري المنتزع عن الإنشاء بداعي جعل الداعي ، ومن الواضح أن الإنشاء الخاصّ مركّب من كيف مسموع ـ وهو اللفظ ـ ومن كيف نفساني ـ وهو قصد ثبوت المعنى به ـ وهما قائمان بالمنشئ ، لا بالفعل الخارجي القائم بالغير.
والأمر الاعتباري المنتزع من الإنشاء المزبور ـ بما هو أمر اعتباري ـ قائم بالمعتبر لا بغيره ، ومقوّم هذا الأمر الاعتباري ـ الذي هو طرفه حيث إنّ البعث المطلق الغير المضاف إلى شيء لا يوجد ، سواء لوحظ بنحو القوة كما في قيامه بمنشئه ، أو بنحو الفعلية كما في قيامه بمعتبره ـ لا يعقل أن يكون الهوية العينية القائمة بالمكلّف ؛ لأنّ البعث الحقيقي يوجد سواء وجدت الهوية العينية من المكلف أم لا ، ويستحيل أن يتقوّم الموجود ويتشخص بالمعدوم ، بل ما لا يوجد أصلا ، كما في البعث إلى العصاة ، فلا محالة يكون متعلقه المقوّم له والمشخّص هو الفعل بوجوده العنواني الفرضي الموافق لافق الأمر الاعتباري والمسانخ له.
وتوهم : أن الفعل بوجوده العنواني أيضا لا يعقل أن يكون معروضا لوصفين متضادين أو متماثلين.
مدفوع : بأنه لا تضادّ ولا تماثل إلاّ في الواحد الشخصي ، وأما الواحد الطبيعي ـ من الجنسي والنوعي ونحوهما مما له نحو من الكلية من دون تشخّص وتعيّن وجودي ـ فيجتمع فيه الأوصاف المتباينة ؛ بداهة أن طبيعي الفعل مورد لأحكام متعدّدة ، ولو من موال متعدّدين بالنسبة إلى عبيد كذلك ، ولا يخرج طبيعي الفعل عن كونه طبيعيا باختلاف الموالي والعبيد ، وتعدّد الفاعل والسبب الموجد لا دخل له في تحقّق التضادّ والتماثل وعدمه ، بل المناط وحدة الموضوع ، والمفروض إمكان الاجتماع في مثل هذا الواحد.
وعدم إمكان كون مقوّم بعث بعينه مقوّما لبعث آخر أو لزجر لا يضرّ بما