مقدّمة لاقتضاء حكم العقل ، والثاني مقدّمة لاقتضاء طبع الجسم بما هو ، من دون قاسر.
وبعبارة اخرى : امتناع كون شيء بدون شيء تارة امتناع ذاتي ، واخرى وقوعي ، كامتناع الكون على السطح بلا طيّ المسافة ، فإنه يلزم من وقوعه محال ، وهي الطفرة المستحيلة عقلا ، وثالثة لا يكون الامتناع كذلك ، كالكون على السطح بلا نصب السلم ، فإنه لا يلزم من فرض وقوع الطيران أو القوة الإلهية الخارقة للعادة محال لعدم استحالتهما ، وإنما يستحيل بلا نصب السلم بالقياس إلى عادم الجناح وعادم القوة الخارقة ، فيسمّى الممتنع بالامتناع الذاتي والوقوعي بالمحال العقلي ، ويسمّى الممتنع بالامتناع القياسي بالمحال العادي ، وباعتبارهما يكون التوقف الواقعي عقليا تارة ، وعاديا اخرى.
نعم ، حقيقة المقدّمة هي الجامعة بين الطيران ونصب السلم ، إلاّ أنه ينحصر الجامع في الثاني لعدم ما يتمكّن معه من الطيران ، فهو واجب بالعرض لا بالذات ، فالتوقّف بالنسبة إلى هذا الواجب بالعرض عاديّ ، لا بالإضافة إلى الجامع ، فإنه عقلي كأصل طي المسافة.
والكلام في المقدمة القابلة للاتصاف بالوجوب فعلا ، والتقسيم إلى الثلاثة بهذه الملاحظة ، كما أن المأمور به لو كان هو التسخين الإرادي أو التبريد كذلك ، فعدم التمكّن من التسخين والتبريد بمجرّد إرادتهما مع إمكانهما ذاتا يوجب مقدّمية مسخّن أو مبرّد خارجي ، فالوجوب هناك عرضي ، وأصل المقدّمة ذاتي ، وهنا مقدّمية المقدّمة بالعرض ، إلاّ أنّ ذلك لا يوجب عدم المقابلة بين المقدّمة العقلية والعادية ، كما أن رجوع الثانية إلى الاولى ـ بعد ملاحظة الامتناع بالقياس إلى الغير أو بالغير ـ لا ينافي المقابلة بينهما بالذات.