تتبع استحالته (١) ، وتعلّق الإرادة بعدمه لا يكشف عن استحالة مقتضيه في نفسه ؛ لإمكان استناده إلى كون وجود مانعة بأسبابه ضروري الوقوع بحيث يلزم من فرض لا وقوعه محال ، فعدم تعلّق الإرادة بالضدّ لمكان تعلّق الإرادة بضدّه لوجوب وقوعه ، فتكون استحالة ما لم يقع عرضية ، مع أنه لو بنينا على الدقّة ـ وقلنا بأنّ كل ممكن بالذات يجب وجوده ، كما برهنا عليه في مبحث الطلب والإرادة (٢) ـ لم يكن عدم وجود الضدّ كاشفا عن استحالته باستحالة مقتضيه بشرائطه ، بل يجوز أن يكون من جهة وجود مانعة وهو ضدّه ، وربما يجزم باستحالة وجود المقتضي ؛ لأنّ مقتضي الفعل الإرادي هو الإرادة ، ولا يعقل إرادة الضدّ مع إرادة ضدّه ، فيكون عدم الضدّ دائما مستندا إلى عدم مقتضيه لسبقه ، لا إلى وجود المانع ، وعدم المقتضي ليس مستندا إلى وجود المانع كي ينتهي الأمر إلى أن عدم الضدّ بمباديه لوجود الضدّ ، بل يستند عدم إرادة الضدّ مع موافقته للغرض إلى غلبة إرادة الآخر من حيث قوة مقتضيها ، ومغلوبية الداعي ليست معلولة لغلبة الداعي الآخر ؛ حتى ينتهي عدم الضدّ أخيرا إلى سبب الضدّ الآخر ؛ لأنّ الغالبية والمغلوبية متضايفتان ، ولا علّية بين المتضايفين.
والتحقيق : أنّ غلبة الداعي تؤثر في إرادة الضدّ بدلا عن الآخر ، وأمّا عدم وجود الآخر بمباديه فمن جهة استحالة الاجتماع لعدم قابلية المحلّ لهما معا ، وقابليته لكل منهما بدلا عن الآخر لا من جهة المانع كما قيل ، ولا عن جهة انتهاء الأمر إلى غلبة الداعي إلى إرادة الضدّ. فتعليل عدم الضدّ ـ بمبادئه ـ بغلبة مقتضي الآخر عليل جدّا ، فإن
__________________
(١) في الأصل : ( يتبع استحالته ) ، والعبارة تصحّ إذا كانت ( استحالته ) فاعلا ، ولا تصحّ إذا كانت مفعولا ، كما هو الظاهر ، والذي صحّحنا العبارة على أساسه.
(٢) في التعليقة : ١٥٤ ، ج ١ المقدمة الرابعة : كل ما أمكن وجوده بالذات وجب وجوده ...