ليس إلاّ حكم العقلاء باستحقاق فاعل العدل للمدح ، وفاعل الظلم للقدح ؛ لما في الأوّل من المصلحة العامة ، ولما في الثاني من المفسدة العامة. وحيث إن في ذمّة العقلاء ـ بما هم عقلاء ـ جلب ما فيه المصالح النوعية ، ودفع المفاسد النوعية إبقاء للنظام ودفعا للفساد ، فأوّل مراتب إيجاد المقتضيات ودفع الموانع اتفاقهم على استحقاق فاعل الخير للمدح ، واستحقاق فاعل الشر للقدح.
ومن الواضح : أن زيّ الرّقّية ورسم العبودية يقتضي التمكين للمولى (١) والانقياد له ، فإنه عدل ، وعدم الخروج عن ذلك بهتك حرمته والإقدام على مخالفته ، فإنه ظلم.
ومنه علم : أنه لا حاجة في استحقاق الثواب والعقاب بهذا المعنى إلى جعل من الشارع ، فإنّ مدحه ثوابه ، وذمّه عقابه ، وما ورد من الوعد والوعيد فمن باب التأكيد والتعيين لما حكم العقل به ، أو بيان لظهور الخير والشرّ بما يناسبهما من الصورة الملاءمة أو المنافرة في الآخرة.
٥٣ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وإن كان التحقيق عدم الاستحقاق على موافقته ... الخ (٢).
والوجه فيه : أن الوجوب المقدّمي ـ كما عرفت ـ وجوب معلولي ، كما أن الغرض منه غرض تبعي ، فيكون تحريكه ودعوته ومقربيته كذلك ، فكما أنّ المولى بعد أمره بذي المقدّمة لا يتمكّن من عدم الأمر بالمقدمة ، فيكون البعث نحوها قهريا ، كذلك انقياد العبد للأمر بذيها يوجب الانقياد بالعرض لمعلوله وهو الأمر بها ، ولا يعقل الانقياد للأمر النفسي والانبعاث عنه مع عدم الانقياد لمعلوله
__________________
(١) في الأصل : ( التمكين من المولى ... ) ، والصحيح ما أثبتناه بمعنى تمكين النفس للمولى بالانقياد وعدم العناد ، وما في الأصل يؤدّي إلى خلاف المراد.
(٢) كفاية الاصول : ١١٠ / ١٠.