كان عدم عروض المانع موجبا لاندراجها تحته ، إلاّ أنّ حسنها باعتبار ذواتها.

لأنا نقول : هذا المعنى وإن كان أمرا مشهوريا ، لكنه لا أصل له حسبما يقتضيه الفحص والبرهان ؛ إذ لا علية ولا اقتضاء للعنوان بالإضافة إلى حكم العقلاء بمدح فاعله أو ذمّه.

بل المراد بـ ( ما بالذات وما بالعرض ) أنّ العنوان : إذا كان بنفسه ـ مع قطع النظر عن اندراجه تحت عنوان آخر ـ محكوما عند العقلاء بمدح فاعله أو ذمه ـ لما فيه من المصلحة العامة أو المفسدة كذلك ـ كان حسنا أو قبيحا بالذات ، وإذا لم يكن بنفسه محكوما بأحدهما ـ بل باعتبار اندراجه تحت ما كان بنفسه كذلك ـ كان حسنا أو قبيحا بالعرض.

غاية الأمر أنّ بعض الأفعال غالبا معرض لعروض أحد العناوين الذاتية كالصدق والكذب ، فيقال : إنهما ـ لو خلّيا وطبعهما ـ حسن بالذات وقبيح كذلك.

مضافا إلى ما ذكرناه في محلّه (١) : من أن قضية حسن العدل وقبح الظلم من القضايا المشهورة التي اتفقت عليها آراء العقلاء حفظا للنظام وإبقاء للنوع ، فلا منافاة بين الحسن الذاتي عند العقلاء وعدم المحبوبية الذاتية عند الشارع ، فإن الجهة الموجبة لمدح العقلاء لا دخل لها بالجهة الموجبة لإيجاب الشارع ؛ مثلا : الصلاة وان كانت تعظيما ، وهو عنوان حسن ، فإنه عدل إلا أنه حسن عند العقلاء من حيث إنّ تعظيم العبد لمولاه من مقتضيات الرقّية ورسوم العبودية ، فيكون به النظام محفوظا والنوع باقيا ، إلاّ أنه غير محبوب للشارع من هذه الجهة ، بل من جهة استكمال العبد بذلك ، وزوال الاخلاق الرذيلة منه بذلك ، فيستعدّ لقبول

__________________

(١) التعليقتين ٧ و ١٠ من الجزء الثالث

۵۱۰۱