ولو تنزلنا عن ذلك ، وتصورنا ارتباط الإرادة بشيء ، فلا محالة لا توجد الإرادة إلاّ بعد وجود ما انيطت به ، وليس حالها كالبعث حتى يمكن تعليقها فعلا على شيء استقبالي.

وتوهم : إمكان إرادة شيء في ظرف فرض مجيء زيد لا مطلقا.

مدفوع : بأنّ الإرادة التكوينية علّة تامّة للحركة نحو المراد ، فمع عدم تحقق المفروض لا يعقل انقداحها في النفس ، والإرادة التشريعية وإن كانت بنفسها علة ناقصة إلاّ أنها لا بدّ من أن تكون بحيث إذا انقاد المأمور لما امر به كانت علّة تامّة للمراد.

نعم الشوق المطلق يمكن تعلقه بأمر على تقدير ، لكنه ليس من الإرادة في شيء ، بل التقدير بالدقّة تقدير المراد ، لا تقدير الإرادة ، وإلاّ لما وجد الشوق المنوط به لأنّ تقيّد شيء بشيء ليس جزافا ، ومجيء زيد لو كان له دخل لكان في مصلحة المراد ، أو في مصلحة فعل المريد وهو الايجاب. وأما الإرادة والشوق فليسا من الأفعال ذوات المصالح والمفاسد ، بل صفات نفسانية تنقدح في النفس عقيب الداعي ، فلا يعقل إناطتهما جعلا بشيء.

ومنه تبيّن حال البعث الحقيقي : فإنه الإنشاء بداعي جعل الداعي ، بحيث لو مكّن المكلّف من نفسه كان علّة تامة للانبعاث.

نعم ، الإنشاء بداعي جعل الداعي مرتّبا على مجيء زيد معقول ، فإنه في الحقيقة ليس داعيا وباعثا فعلا ، بل عند مجيء زيد يتصف بحقيقة الباعثية ، وبملاحظة هذا الإنشاء كلّما فرض مجيء زيد يفرض مصداقية البعث الانشائي للبعث الحقيقي ، وكلما تحقق مجيء زيد صار الانشاء معنونا بعنوان البعث تحقيقا.

فاتضح مما فصلنا القول فيه : أن البعث الحقيقي ثابت قبل وجود قيده

۵۱۰۱