الواقعيتان وإن كانتا موجودتين في مرحلة النفس ـ وان لم يعلم بهما المراد منه ـ إلاّ أنّهما ما لم تبلغا إليه لا توجبان بعثا وزجرا ، ولا تتّصفان بالإرادة والكراهة التشريعيتين ، كما مرّ مرارا.
وعلى هذا المبنى يصحّ التمسّك بالعامّ في المصداق المردّد ؛ إذ انطباق عنوان العامّ معلوم ، فيكون العامّ حجّة فيه ، وانطباق عنوان الخاصّ غير معلوم ، فلا يكون المخصّص حجّة فيه ، والعبرة في المعارضة والتقديم بصورة فعلية مدلولي الدليلين ، لا بمجرّد صدور الإنشاءين المتناقضين ، فمجرّد ورود المخصّص لا يوجب اختصاص حجّية العامّ بما عدا المعنون بعنوان الخاصّ ، غاية الأمر أنّ حكم العامّ بالنسبة إلى العالم العادل الواقعي حكم واقعي ، وبالإضافة إلى الفاسق الواقعي المشكوك فسقه حكم ظاهري ، لا كالأحكام الظاهرية الأخر ؛ حيث لم يؤخذ في موضوعه الجهل بالحكم الواقعي ، بل بمعنى أنّه رتّب حكم فعلي على موضوع محكوم بحكم مخالف واقعي.
والجواب عنه : بأنّ المخصّص كاشف نوعي عن عدم وجوب إكرام العالم الفاسق ، ولازمه قصر حكم العامّ على بعض مدلوله ، فهنا كاشفان نوعيان لا يرتبط حجّية أحدهما بالآخر ، وقصر حكم العامّ لا يدور مدار انطباق عنوان المخصّص على شخص في الخارج ؛ حتى يتوهّم عدمه مع عدم الانطباق ، بل لازم وجود هذا الكاشف الأقوى اختصاص الحكم العمومي ببعض أفراده ، وحيث إنه أقوى فيكون حجّة رافعة لحجّية العامّ بالإضافة إلى بعض مدلوله.
وربما يتوهّم التمسّك بالعامّ في المشتبه ؛ بتوهّم إطلاقه الأحوالي لمشكوك العدالة والفسق ، ولا منافاة بين كون الفاسق الواقعي حكمه مخالفا لحكم المشكوك (١) ، فإنّ الأوّل حكم واقعي ، والثاني حكم ظاهري ، فلا منافاة بينهما.
__________________
(١) العبارة ينقصها ذكر العدل الثاني ، فتمامها هكذا : ( ... مخالف لحكم المشكوك أو موافق له ) ، ـ والأقرب في تصحيحها جعل كلمة ( في ) بدلا من كلمة ( بين ).