وربما يورد (١) على أصل الالتزام بانطباق عنوان راجح على الترك : بأنّ العنوان الوجودي لا يمكن أن ينطبق على العدم ؛ لأنّ معنى الانطباق هو الاتّحاد في الوجود الخارجي ، والعدم ليس له وجود خارجي.
ويندفع : بأنّ المحال انتزاع مفهوم ثبوتي من العدم والعدمي ، وأما المفهوم السلبي فهو موافق في حيثية العدم لما ينتزع منه ، ولا يلزم منه رجوع ما حيثية ذاته حيثية النفي إلى حيثية الثبوت ، وبالعكس.
فمثل صوم يوم عاشوراء حيث إنه موافقة لبني اميّة ـ عليهم اللعنة ـ لالتزامهم بصوم هذا اليوم شكرا وفرحا ، فتركه مخالفة لهم ، وهي مطلوبة للشارع ، وليست المخالفة هنا إلاّ عدم الموافقة لهم في الصوم ، واتصاف شيء بشيء لا يستدعي الثبوت الخارجي ، بل الثبوت في ظرف الاتّصاف على الوجه المناسب للمثبت له ولو بلحاظ الفرض والتقدير ، ولهذا يوصف الأعدام ويخبر عنها ، كما مرّ في بعض مباحث المشتق (٢) ، فراجع.
١٧٨ ـ قوله [قدّس سرّه] : ( وارجحية الترك من الفعل لا توجب ... الخ ) (٣).
فإن قلت : أرجحية الترك وإن لم توجب حزازة في الفعل ، لكنّه يوجب المنع عنه ، وهو كاف في فساده إذا كان عبادة ، ولذا تسالموا على فساد الضدّ بناء على مقدمية ترك الضدّ ، فإنّ طلب تركه يقتضي المنع عن فعله ، فيفسد ، مع أنه لا حزازة فيه ، بل الترك حيث كان ذا مصلحة مقدّمية صار مطلوبا ، وفعله ممنوعا عنه.
قلت : قد عرفت أنّ الترك ليس بنفسه مطلوبا كي يكون الفعل النقيض
__________________
(١) كما عن بعض أجلّة العصر وهو المحقق الشيخ عبد الكريم الحائري ( رحمه الله ) ـ في درر الفوائد ـ : ١ / ١٣٧.
(٢) وذلك في التنبيه التابع للتعليقة : ١١٣ ، ج ١.
(٣) كفاية الاصول : ١٦٣ / ١٠.