بل مورد الأمر نفس الفعل بوجوده العنواني الفاني في معنونه ، فإنه القابل لأن يكون مقوّما للإرادة وللبعث الاعتباري الانتزاعي ، وذات الفعل مقوّم الطلب والبعث لا معلولهما ، وتعلّق الأمر به واقتضاؤه له بديهي ، ومقوّم الشيء ليس متأخّرا عنه ، بل له سبق رتبي طبعي عليه.
وعنوان الإطاعة والمعصية ـ بمعنى موافقة المأتيّ به للمأمور به ، وعدم موافقة المأمور به ـ وإن كان منتزعا عن الفعل الخارجي والترك الخارجي ، لكن دعوى الإطلاق والتقييد لا تتوقف على الإطاعة والعصيان بهذا المعنى ، بل على إطلاق الأمر المتعلّق بفعل شيء ـ لحال فعله ـ أو تركه ؛ بنحو فناء العنوان في المعنون في جميع أجزاء هذا المطلق.
واستحالة الاطلاق والتقييد بهذا الوجه لا تدور مدار تأخّر القيد أو الإطلاق عن الأمر ، كما سيأتي (١) إن شاء الله تعالى.
وأما ثانيا : فلأنّ تأخّر الإطاعة ـ بمعنى الفعل ـ عن الأمر لكونه معلولا له لا يقتضي تأخّر العصيان ـ النقيض لها ـ عن الأمر ؛ إذ ليس فيه هذا الملاك.
وقد قدمنا سابقا : أن التقدّم والتأخّر لا يكونان إلاّ لملاك يوجبهما ، فلا يسري إلى ما ليس فيه الملاك ، فالمعلول متأخّر عن العلّة ، وعدمه ليس متأخّرا عنها ، فراجع أول مسألة الضدّ (٢).
نعم الإطاعة والمعصية الانتزاعيتان لهما التأخّر الطبعي عن الأمر ؛ لوجود الملاك ، لا لكون احدهما نقيض ما فيه الملاك ، فإنّ ملاك التأخّر والتقدّم الطبعيين ـ كما مرّ مرارا ـ هو أنه يمكن أن يكون للمتقدّم وجود ولا وجود للمتأخّر ، ولا يمكن أن يكون للمتأخّر وجود إلاّ والمتقدم موجود. وهنا كذلك ؛ إذ يستحيل تحقّق
__________________
(١) وذلك في مناقشة المقدمة الثالثة من مقدمات الترتب من نفس هذه التعليقة.
(٢) وذلك في أوائل التعليقة ١٠٦ من هذا الجزء.