__________________
لا يخفى ـ على ما أشرنا إليه في الحاشية المتقدّمة ـ أن الجواز غير معلّق على تعقيب المقدمة بذيها ، بل المقدّمة المتعقبة بذيها جائزة ، فالمقدمة الخاصّة مباحة فعلا ، لا أن الإباحة مشروطة الحصول بحصول الخصوصية ؛ ليرد محذور طلب الحاصل ونحوه.
وبالجملة : الجواز كالوجوب ، فكما أنّ المقدّمة الموصلة واجبة فعلا من دون تعليق لأصل وجوبها على الإيصال ، كذلك جائزة فعلا من دون تعليق الجواز على صفة الإيصال.
ثمّ على فرض تعليق الجواز ـ المقتضي لتعليق وجوب المقدّمة اللازم لتعليق الوجوب النفسي ـ فهو إما أن يكون معلقا على إتيان الواجب النفسي ، أو على إرادته ، وعلى أيّ حال إما أن يكون الشرط بنحو الشرط المتقدم ، أو المقارن ، أو المتأخّر :
فإن كان الجواز معلّقا على إتيان ذي المقدّمة بنحو الشرط المتقدّم ، فمقتضاه عدم الجواز إلاّ بعد إيجاد ذي المقدّمة ، فلا وجوب مقدّمي قبله ، فلا إيجاب نفسي أيضا قبله ؛ لتبعية الوجوب المقدّمي للوجوب النفسي إطلاقا واشتراطا ، ولازمه إيجاب ذي المقدّمة بعد وجوده ، ومحذوره طلب الحاصل.
والمراد بطلب الشيء بعد وجوده : إن كان طلب إيجاد الموجود ثانيا فلازمه طلب تحصيل الحاصل ، والموجود لا يقبل وجودا آخر ؛ لأن المماثل لا يقبل المماثل ، وإن كان طلب نفس ذلك الموجود بحيث يكون بنفسه معلولا لهذا البعث ومنبعثا عنه ، فظاهره علّيّة الأمر المتأخّر للأمر المتقدّم ، وهو محال ، لكنه حيث إنّ البعث ليس بوجوده الخارجي علّة بل بوجوده العلمي ، فلا محذور من هذه الحيثية ، إلا أنّ علّيّة جعل الداعي بوجوده العلمي محال قبل وجوده الخارجي لا للزوم الخارجية حال الوجود العلمي ؛ لإمكان تقدم العلم على المعلوم بالعرض ومقارنته له وتأخره عنه زمانا ، بل لأن جعل الداعي بوجوده العلمي المطابق للمعلوم سابقا أو مقارنا أو لاحقا يقتضي ثبوت المعلوم في أحد الازمنة ، وإلا لكان فرضا محضا لا واقعية له.
ومن المعلوم أنه مع فرض تأخّر البعث عن زمان الفعل يستحيل ثبوته بعد ذلك الزمان سواء اتي به ، أو لا ، ومع استحالة ثبوته بعد ذلك الزمان على أي حال لا مطابق لوجوده العلمي قبل ذلك الزمان حتّى يصحّ دعوته.
هذا كلّه إن كان الجواز مشروطا بنحو الشرط المتقدم.
وأما إن كان مشروطا بنحو الشرط المقارن ، فالجواز والوجوب مقارنان لوجود ذي المقدّمة ،