بل الظاهر : أنّ الاكتفاء بالأمر الغيري لما أشرنا إليه من أن نفس الرجحان النفسي ـ الذي هو عبارة عن إرادته المنبعثة عن ملاك في نفسه ـ متحقّق في ضمن الوجوب الغيري ؛ إذ الإرادة الموجودة بملاكها تشتدّ بوجود ملاك آخر نفسيا كان أو غيريا ، فيمكن للمكلف إتيان العمل بقصد رجحانه المتأكّد ، لا من حيث إنه متأكّد ، بل من حيث أصله فهو الداعي ، لا أنه داع إلى الداعي.
__________________
حتى يتعلّق به أمر مقدّمي ، وبين تعلّق الإرادة بإتيانه بداعي كونه مرادا ، فالأمر متعلق بالمقدّمة العبادية إلاّ أنّ هذا المقيد ليس له أمر نفسي ، بل ذات الفعل ، فكيف يشتدّ الإرادة مع اختلاف الموضوعين؟ فيجاب عنه بما أجبنا عنه في الحاشية.
وتوضيحه بحيث يندفع عنه بعض الاشكالات : هو أن الأمر الغيري متعلّق بالوضوء عن داعي إرادته الندبية النفسية ، وحيث إن الأمر متعلّق بهذا الخاصّ ينبعث منه أمر مقدّمي إلى ما يحقّق الخصوصية ، وهو جعل إرادته النفسية داعية.
فيورد عليه حينئذ : بأن الاشتداد إنما يكون إذا تعلّق الأمر بذات المقيّد في ضمن الأمر بالمقيّد ـ بما هو مقيد ـ حتى يخرج الإرادة النفسية المتعلّقة بذات المقيّد عن حدّ الضعف إلى الشدّة ، مع أن المعروف أن الجزء التحليلي لا أمر به في ضمن الأمر بالخاصّ بما هو خاصّ.
ويندفع بما حققناه في باب البراءة بأن الأمر بالمقيد على قسمين :
أحدهما : أن يتعلق الأمر بالخاص بما هو خاص بحيث يكون الخصوصية مقومة له ودخيلة في أصل وفائه بالغرض.
وثانيهما : أن يتعلّق الأمر بالمشروط بشرط ، والشرط ليس مقوّما للمقتضي ، بل دخيل في فعلية الغرض ، وفي ترتّب المقتضى على مقتضيه ، ففي الأوّل كما لا انحلال في البراءة كذلك لا أمر مقدّمي بذات الخاصّ ، وفي الثاني حيث إن القيد شرط لا مقوّم للمقتضي ، فلا محالة يستحيل أن يكون مبعوثا إليه بعين البعث بالمشروط المنبعث عن الغرض القائم بنفس المشروط ، ومن الواضح أن قصد القربة شرط لا مقوّم للمقتضي ، وعليه فلذات المشروط أمر مقدمي ، ولشرطه أيضا أمر مقدّمي منبعث عن الأمر الغيري بالمشروط ، فلا مانع من الاشتداد. [ منه قدّس سرّه ]. ( ن ، ق ، ط ).