فإن كان المراد حسن الطهارة والنظافة في ذاتها ، فمن الواضح أن الشيء ما لم يرتبط إلى المولى ـ إما بنفسه أو برابط ـ لا يعقل التقرّب به إليه ، ولا استحقاق الثواب من قبله عليه ، كما فصّلنا القول فيه سابقا في مسألة التعبّدي والتوصّلي (١).
وان كان المراد كونها ـ مع قطع النظر عن غاياتها ـ مستحبة شرعا ، فمن البيّن أنّ الوجوب والاستحباب متضادّان ، فاجتماع كليهما معا محال ، فلا محالة يزول الضدّ الضعيف بطروّ القويّ ، ولا يعقل ثبوت أصل الرجحان في نفس المولى الا منفصلا بأحد الفصلين ، فليس الباقي إلاّ أمرا بسيطا وهو الوجوب الغيري الذي لا يوجب القرب ولا الثواب.
قلت : المراد استحبابها شرعا وإن كان لحسنها ذاتا.
ويندفع التوهم المزبور : بناء على أصالة الوجود ، وبقاء حقيقة العرض عند الحركة والاشتداد من مرتبة إلى مرتبة ، فإن ذات الإرادة الموجودة من أوّل الأمر باقية إلى الآخر ، غاية الأمر أنها تنتزع منها مرتبة ضعيفة في أوّل أمرها ، ومرتبة شديدة في آخر أمرها ، لا أنها تنعدم وتوجد من رأس.
وعليه فأصل الرجحان المحدود بحدّ عدمي ـ وهو عدم وجدان مرتبة
__________________
ومنه يعرف : أن استحباب الوضوء نفسيا لا يتأكّد بالوجوب النفسي المتعلّق بالصلاة عن طهارة ؛ حيث لا تعلّق للوجوب النفسي بذات ما تعلّق به الاستحباب النفسي ؛ حتى تشتد الإرادة الندبية ، بل قد مرّ ـ في أوائل البحث عن مقدمة الواجب ـ أن الإرادة اللزومية المتعلّقة بالمركّب واحدة ، فإذا فرض تأكّد المصلحة في بعض أجزائه يستحيل اشتداد تلك الإرادة ، فإن اشتداد الواحد المتعلّق بالمركّب يستدعي تأكّد المصلحة في المركّب ، ويستحيل اشتداد البسيط بالإضافة إلى بعض الأجزاء دون بعضها الآخر. [ منه قدّس سرّه ]. ( ن ، ق ، ط ).
(١) التعليقة : ١٦٦ ، ج ١.