وأمّا الإرادة التشريعية فقد مرّ مرارا : أن حقيقتها إرادة الفعل من الغير ، ومن الواضح أن الإنسان لو أراد اشتراء اللحم من زيد فالغرض منه وإن كان طبخه ، لكنه غير مراد منه ، بل لعل الطبخ مراد من عمرو ، وإحضاره في المجلس مراد من بكر ، وهكذا ، فلا تنافي : بين كون الشيء مرادا من أحد ، والغرض منه غير مراد منه ، وإن كان مقصودا من الفعل لترتبه عليه ، فالاشتراء مراد بالذات من زيد ، ومقدماته مرادة بالعرض منه وإن لم يكن الغرض من اشتراء اللحم نفسه ، بل ينتهي إلى نفس الآمر مثلا.

ومنه يعلم : حال الصلاة وسائر الواجبات ، فإن الغرض من الصلاة وإن كانت مصلحتها ، إلا أنها غير مرادة من المكلّف لا بالعرض ولا بالذات ، بل المراد بالذات [ من ](١) المكلّف نفس الصلاة ، والإرادة التشريعية متقوّمة بإرادة الفعل من الغير ، لا أنها مطلق الشوق حتى يقال : إنّ الشوق إلى الصلاة منبعث عن الشوق إلى غايتها إلى أن ينتهي إلى غاية الغايات.

والكلام في تقسيم الواجب إلى النفسي والغيري ، ومبدأ الإيجاب كنفسه ينقسم إلى القسمين بلا محذور ، وإن كان نفس المحبوبية المطلقة غيرية مطلقا إلى أن ينتهي إلى الغرض الذي هو عين ذي الغرض.

وجميع آثار الواجب النفسي الحقيقي ـ من كونه محرّكا ومقرّبا وموجبا لاستحقاق الثواب على موافقته ، والعقاب على مخالفته ـ مترتبة على هذه الواجبات النفسية المتعارفة ، فإنها المرادة من المكلّف بالذات ، فإرادتها منه هي الداعية له ، فهي المقرّبة له ، فافهم واغتنم.

__________________

(١) في الأصل : عن.

۵۱۰۱