وممّا يرشدك إلى عدم الحرمة ولزوم حمل الرواية على الكراهة أوّلاً : ما عرفت من التسالم وعدم الخلاف ، إذ لا تأمّل في أنّ هذه من المسائل العامّة البلوى الكثيرة الدوران ، فلو كانت الحرمة في مثلها ثابتة لكانت واضحة وشائعة ذائعة ، مع أنّه لم يوجد خلاف في عدمها ولم يُنسَب القول بها إلى أيّ أحد كما سمعت.

وثانياً : معتبرة سليمان بن جعفر الجعفري ، قال : كنت مع الرضا عليه‌السلام في بعض الحاجة فأردت أن أنصرف إلى منزلي فقال لي : «انصرف معي فبت عندي الليلة» فانطلقت معه فدخل إلى داره مع المغيب فنظر إلى غلمانه يعملون في الطين أواري الدواب وغير ذلك ، وإذا معهم أسود ليس منهم «فقال : ما هذا الرجل معكم؟» قالوا : يعاوننا ونعطيه شيئاً «قال : قاطعتموه على أُجرته؟» قالوا : لا ، هو يرضى منّا بما نعطيه ، فأقبل عليهم يضربهم بالسوط وغضب لذلك غضباً شديداً ، فقلت : جعلت فداك ، لِمَ تدخل على نفسك؟ «فقال : إنّي قد نهيتهم عن مثل هذا غير مرّة أن يعمل معهم أحد (أجير. يب) حتى يقاطعوه على أُجرته ، واعلم أنّه ما من أحد يعمل لك شيئاً بغير مقاطعة ثمّ زدته لذلك الشي‌ء ثلاثة أضعاف على أُجرته إلّا ظنّ أنّك قد نقصته أُجرته ، وإذا قاطعته ثمّ أعطيته أُجرته حمدك على الوفاء ، فإن زدته حبّة عرف ذلك لك ورأى أنّك قد زدته» (١).

فإنّ الاستئجار من غير المقاطعة لو كان حراماً لم يكن وجه لتعجّب الراوي عن غضبه عليه‌السلام وسؤاله عن منشئه ، فيعلم أنّ الفعل في نفسه لم يكن محرّماً في الشريعة ، وإنّما غضب عليه‌السلام لمخالفتهم لنهيه الشخصي المبني

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١٠٤ / كتاب الإجارة ب ٣ ح ١. والإرية : الاخية ، وهي عروة تربط إلى وتد مدقوق وتشدّ فيها الدابّة ، وربّما قيل للمعلف المصباح المنير : ٨.

۵۳۱