المستوفاة ولا سيّما إذا كانت أُجرتها أكثر لا وجه له أيضاً ، وكيف يذهب مال المسلم هدراً؟! فلا مناص إذن من الالتزام بكلتا الأُجرتين ، جمعاً بين الحقّين.

ويمكن أن يستأنس لما ذكرناه من مقتضى القاعدة بصحيحة أبي ولّاد (١) وجعلها مؤكّدة لها ومعاضدة ، حيث إنّه صرّح فيها بالضمان بالنسبة إلى المنافع المستوفاة التي هي خارجة عن مورد الإجارة على خلاف فتوى أبي حنيفة (٢) ساكتة عن التعرض للأُجرة المسمّاة سؤالاً وجواباً ، بحيث يظهر أنّ استحقاقها كأنه أمر مفروغ عنه لم يحتج إلى النزاع والجدال ، ولم يقع مورداً للسؤال ، سيّما ولعلّ المتعارف دفعها إلى المؤجر المكاري من أوّل الأمر ، ولم ينكر ذلك أبو حنيفة ولا غيره من الأطراف المعيّنة ، فالإعراض عن ذكرها ولو كانت ساقطة لكانت حريّة بالتعرّض جدّاً يورث قوّة ظهور لها في ثبوتها ، وقد عرفت صراحتها في ثبوت الأُجرة الأُخرى أيضاً ، فهي مطابقة إذن لمقتضى القاعدة في الدلالة على استحقاق كلتا الأُجرتين حسبما عرفت.

وربّما يقال : إنّ الالتزام بملكيّة المنافع المتضادّة يقتضي المصير إلى ضمان الغاصب لجميع هاتيك المنافع ، التي ربّما تزيد على قيمة العين ، وهذا شي‌ء لا يمكن الالتزام به ، بل هو مقطوع البطلان.

ويندفع : بمنع الاقتضاء ، فإنّ الضمان حكم شرعي يستند إلى سبب خاصّ ، ولا يكون جزافاً ، وسببه منحصر في أحد أُمور ثلاثة : إمّا الاستيفاء ، أو التلف تحت اليد العادية ، أو الإتلاف. وشي‌ء منها غير متحقّق في المقام.

ضرورة أنّ الغاصب لا يستوفي في وقت واحد إلّا منفعة واحدة ، فلا مقتضي

__________________

(١) الوسائل ١٩ : ١١٩ / كتاب الإجارة ب ١٧ ح ١.

(٢) حكاه عنه في المغني ٦ : ٨٩.

۵۳۱