اختار شيخنا الأُستاذ قدس‌سره في تعليقته الأنيقة الثاني (١) ، نظراً إلى رجوعه في الحقيقة إلى التسليم بغير عوض بعد أن لم يصلح ما جعل عوضاً للعوضيّة عرفاً ، لعدم كونه مالاً ، فهو في قوّة التسليط على العين مجّاناً.

أقول : يقع الكلام :

تارةً : في صحّة هذه المعاملة في نفسها.

واخرى : في أنّه على تقدير الفساد ولو من بقيّة الجهات كجهالة المدّة مثلاً فهل يضمن المستأجر أُجرة المثل ، أو أنّها تلحق بالإجارة بلا اجرة في عدم الضمان؟

أمّا الجهة الأُولى : فقد ذهب جمع بل نسب إلى المشهور اعتبار الماليّة في العوضين من بيع أو غيره ، فما لا ماليّة له لا تصحّ المعاملة عليه.

ولكنّه غير ظاهر الوجه.

نعم ، عُرِّف البيع بمبادلة مالٍ بمال ، كما عن المصباح (٢) ، ولكنّه من الواضح أنّه تعريف لفظي كما هو شأن اللغوي ، فلا يستوجب التخصيص بعد أن كان المفهوم العرفي أوسع من ذلك ، لشموله لمطلق التمليك بعوض ، سواء أكان العوض مالاً عرفاً أم ملكاً بحتاً ، في مقابل التمليك بلا عوض المعبّر عنه بالهبة ، كما يعبّر عن الأوّل بالبيع ، بل ربّما يستعمل في أُمور أُخر مثل بيع الآخرة بالدنيا ، أو الضلالة بالهدي ، فإنّها ليست باستعمالات مجازيّة كما لا يخفى.

وعلى الجملة : فلم يظهر اختصاص البيع بالمال ، لعدم نهوض دليل يعوّل عليه ، بل يعمّ غيره ويصدق البيع عليه بمناط واحد ، فكما يصحّ تمليك المملوك

__________________

(١) تعليقة النائيني على العروة الوثقى ٥ : ٥٧ (تحقيق جماعة المدرسين).

(٢) المصباح المنير ١ : ٦٩.

۵۳۱