القصر فهو ، وأمّا إذا لم يثبت أو تعارض الدليلان ولم يمكن الترجيح فالمرجع بعد التساقط أصالة التمام لا محالة.

هذا ما تقتضيه القاعدة ، وقد وردت هناك روايات دلّت على التقصير في البريد مقيّداً بالرجوع ، أي بريد ذاهباً وبريد جائياً.

فإن قلنا بأنّها منصرفة في حدّ نفسها إلى الرجوع ليومه فلا إشكال ، إذ المقتضي للتقصير في غير مريد الرجوع ليومه قاصر في نفسه ، فلا دليل على القصر فيه ، ومعه يكون المحكّم إطلاقات التمام.

وإن منعنا الانصراف وقلنا بانعقاد الإطلاق فيكفي في التقييد قوله عليه‌السلام في ذيل صحيحة ابن مسلم : «إنّه ذهب بريداً ورجع بريداً فقد شغل يومه» (١).

حيث يظهر منه أنّ المدار على شغل اليوم وأنّ موضوع الحكم هو السفر الشاغل ليومه فعلاً ولو ملفّقاً من الذهاب والإياب ، وأنّ هذا هو حدّ القصر فيختصّ بطبيعة الحال بما إذا رجع ليومه ، فلا تقصير فيما إذا رجع لغير يومه.

وحينئذ فيعارض هذه الأخبار ما دلّ على وجوب القصر حتّى فيما إذا رجع لغير يومه ، وعمدته أخبار عرفات (٢) ، وبعد التعارض والتساقط يرجع إلى أصالة التمام كما ذكرناه.

وفيه : مضافاً إلى أنّ ارتكاب التقييد بإرادة الرجوع ليومه من مجموع هذه الروايات بعيد جدّاً ، وكيف يمكن ذلك في مثل ما رواه الصدوق قال : «وكان رسول الله صلى‌الله‌عليه‌وآله إذا أتى ذباباً قصّر ، وذباب على بريد ، وإنّما فعل ذلك لأنّه إذا رجع كان سفره بريدين ثمانية فراسخ» (٣).

__________________

(١) الوسائل ٨ : ٤٥٩ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ٩ [لاحظ الهامش في ص ٨].

(٢) وسيأتي بعضها في ص ٢٠.

(٣) الوسائل ٨ : ٤٦١ / أبواب صلاة المسافر ب ٢ ح ١٥ ، الفقيه ١ : ٢٨٧ / ١٣٠٤.

۴۴۱