وإنّما الداعي له التسلّط عليه بوجه شرعي ، إذ ما لم يسلّم المعوّض لا يكون له حقّ المطالبة بالعوض ، وكان تصرّفه فيه حراماً. فالداعي بالتالي منتهٍ إلى الخوف من الله تعالى ، فيكون الأمر الإجاري مؤكّداً للعبادية لا منافياً لها ومعاضداً لا معارضاً ، كما هو الحال في النذر والشرط ضمن العقد ونحوهما.
ومنه تعرف الحال في الجعالة ، فإنّ العامل وإن كان لا يستحقّ الجعل ، كما أنّه لم يملكه أيضاً إلّا بعد تسليم العمل ، إلّا أنّ الذي يدعوه إلى الإتيان بالعبادة على وجهها مقدّمة لاستلام العوض على الوجه الشرعي إنّما هو الخوف من الله تعالى ، حتّى لا يكون تصرّفه فيه من أكل المال بالباطل.
بل قد ذكرنا في بحث المكاسب (١) عند التكلّم في المسألة أنّ هذا مطّرد في كافّة العبادات ، إذ قلّ من يعبده تعالى لكونه أهلاً لها من دون ملاحظة أيّة غاية أُخرى ، إلّا الأوحدي من البشر كمولانا أمير المؤمنين عليهالسلام.
أمّا عامّة الناس فيعبدونه تعالى لدواعٍ أُخرويّة كالخوف من النار أو الطمع في الجنة ، أو دنيويّة كطلب التوسعة في الرزق المترتّبة على صلاة الليل مثلاً ، أو قضاء الحاجة أو الاستسقاء كما في صلاتي الحاجة والاستسقاء ، فانّ الطمع في الأُمور المذكورة يدعو إلى الإتيان بالصلاة بداعٍ قربي ، للعلم بعدم ترتّب الأُمور المذكورة عليها بدون ذلك.
فكما لا يكون مثل ذلك منافياً لعباديّة العمل كذلك الطمع في أخذ العوض في الإجارة أو الجعالة في مفروض الكلام ، لانتهاء ذلك بالأخرة إلى الداعي الإلهي ، وهو الخوف منه تعالى كما عرفت.
وأمّا الإشكال من الجهة الثانية فهو في محلّه ، ولا مدفع عنه بناءً على كون الثواب من باب الاستحقاق ، إذ كيف يعقل أن يعمل شخص ويستحقّ غيره الأجر عليه ويحصل له التقرّب أيضاً بذلك ، لا سيما إذا لم يكن هناك أيّ ارتباط
__________________
(١) مصباح الفقاهة ١ : ٤٦٣.