فعباديّة العمل النيابي تستدعي تعبّدية الأمر المتعلّق به بعنوان النيابة لا محالة ، فلا مناص للنائب من قصد التقرّب بهذا الأمر لكي يتّصف متعلّقه بصفة العبادة التي هي مورد النيابة ، فإنّه بدونه لم تصدر منه العبادة التي تصدّى للنيابة فيها كما هو أوضح من أن يخفى.
فما في بعض الكلمات من أنّ الأمر النيابي توصّلي لا تعبدي فلا يلزم على النائب قصد التقرّب به كلام لا أساس له ، وكيف لا يكون عباديا بعد فرض تعلّقه بما هو عبادة ، ضرورة أنّ مورد النيابة ليس هو ذات الصلاة كيف ما اتفقت ، وإنّما هي على النحو الذي اشتغلت به ذمّة المنوب عنه.
ولا شكّ في اتّصاف ذمّة المنوب عنه بالصلاة المتّصفة بكونها عبادة المتقوّمة بقصد القربة ، فلو لم يقصدها النائب كذلك لم يكن آتياً بما اشتغلت الذمّة به ، ولا كان ممتثلاً للأمر النيابي ، فالصادر عن النائب بما هو نائب إنّما هي الصلاة المقترنة بقصد القربة قطعاً.
ثمّ إنّ الداعي إلى هذا المجموع المركّب من الصلاة وقصد القربة تارة يكون هو استحبابها الذاتي ، نظراً إلى كونه إحساناً إلى الميت وصلة له ، أو لأجل حبّه له وشفقته عليه كالأب بالنسبة إلى الولد أو العكس ، فيتبرّع بالنيابة عنه.
وأُخرى يكون الداعي إليه هو الوفاء بعقد الإجارة كما في الأجير ، حتّى لا يكون أخذ الأُجرة أكلاً للمال بالباطل ، فإنّه وإن كان قد ملكها أي الأُجرة بنفس العقد إلّا أنّ استحقاقه للمطالبة بها على الوجه الشرعي يتوقّف على تسليم العمل المستأجر عليه ، فينتهي ذلك بالأخرة إلى الخوف من الله تعالى.
ولذا لو لم يكن مبالياً بأمر الدين لأمكنه المطالبة بالأُجرة ولو باخباره كذباً بإتيانه بالعمل ، حيث لا سبيل للمؤجر إلى الامتناع ، لعدم إمكان الاطّلاع على الحال من غير طريق إخباره حتّى ولو كان قد شاهده يصلّي ، لجواز أن لا يكون قاصداً للقربة أصلاً أو كان قد قصدها عن نفسه لا عن الميت ، فانّ قوام العبادة بالقصد النفسي الذي لا كاشف عنه خارجاً.
فليس الداعي للأجير هو التسلّط على العوض كي ينافي ذلك قصد التقرّب