إلى الآيات التي سبقت الآية الكريمة ، قال تعالى ﴿وَهَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى. إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النّارِ هُدىً. فَلَمّا أَتاها نُودِيَ يا مُوسى. إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً. وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِما يُوحى. إِنَّنِي أَنَا اللهُ لا إِلهَ إِلّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي﴾ (١).
وهذه الآيات كما ترى نازلة في شأن موسى عليهالسلام في بدء رسالته وأوّل زمان نزول الوحي عليه ، ولم يكن قد شرعت الصلاة ولا أيّ شيء آخر في ذلك الحين ، فكيف يؤمر والخطاب متوجّه إليه بقضاء الصلوات المفروض تفرّعه على الأمر بالأداء في فرض ترك الإتيان به ، ولم يؤمر هو بعدُ بشيء ، لما عرفت من كون الخطاب المذكور إنّما هو ضمن الآيات النازلة عليه في مبدأ النبوة؟ فهل ترى أنّ للقضاء أهمية عظمى دعت الباري سبحانه إلى الأمر به في هذه الحال مقدّماً على جميع التكاليف حتّى الأمر بالصلاة أداء.
على أنّ النبيّ موسى عليهالسلام من أنبياء الله العظام ، وهو أحد الخمسة أولي العزم ، فلا يكاد يغفل عن ربّه طرفة عين ، فكيف يحتمل في حقّه ترك الصلاة الواجبة في وقتها ولو كان ذلك لنوم أو نسيان ونحوهما حتّى يؤمر بالقضاء عند تذكّر الفوت ، كلّ ذلك غير واقع.
بل الآية الكريمة ناظرة إلى تشريع طبيعي الصلاة ، ولا مساس لها بباب القضاء ، إمّا لأجل أنّ الغاية إنّما هو ذكر الله تعالى الذي هو المقصد الاسمي من العبادة ، أو لاشتمالها على الذكر لتضمّنها التحميد والتقديس والركوع والسجود وكلّ ذلك خشوع وخضوع وذكر لله سبحانه وتعالى.
فالإضافة في قوله تعالى ﴿لِذِكْرِي﴾ من إضافة المصدر إلى المفعول ، والمعنى لذكرك إياي ولأن تكون ذاكراً لي في كلّ حال ، لا من إضافته إلى
__________________
(١) طه ٢٠ : ٩ ١٤.