ولكنّه مع ذلك كلّه فالاستدلال بالرواية غير تامّ.
أمّا أوّلاً : فلأنّها إنّما تنطبق على مذهب العامّة (١) وبعض القدماء من أصحابنا من القول بتضييق وقت المغرب وانتهائه بغيبوبة الشفق التي هي مبدأ وقت صلاة العشاء ، وإلّا لما صحّ توصيف صلاة المغرب بالفائتة عند العشاء فانّ المعروف من مذهب أصحابنا هو امتداد وقتي المغرب والعشاء إلى منتصف الليل ، بل إلى الفجر كما هو الصحيح وإن كان آثماً في التأخير.
وعلى هذا فلا تكون المغرب حين تذكّره وهو عند العشاء فائتة ، فكيف يسوغ والحال هذه البدأة بصلاة العشاء ثمّ الإتيان بصلاة المغرب مع اعتبار الترتيب بينهما؟ وهل هذا إلّا الإخلال بالترتيب عامداً؟ فلا جرم تطرح الرواية لمخالفتها للمذهب.
وثانياً : أنّها ضعيفة السند بالإرسال ، وقد ذكرنا آنفاً أنّ المحقّق قدسسره بالظنّ القوي يرويها بهذا الإسناد ، وعلى فرض أن يكون لها سند آخر عنده فهو مجهول. فالرواية مرسلة على كلّ حال ، ولا تصلح للاستدلال.
ومنها : صحيحة زرارة عن أبي جعفر عليهالسلام «قال : إذا نسيت صلاة أو صلّيتها بغير وضوء وكان عليك قضاء صلوات فابدأ بأوّلهنّ فأذّن لها وأقم ثمّ صلّها ، ثمّ صلّ ما بعدها بإقامة إقامة لكلّ صلاة ...» (٢).
والاستدلال بها مبنيّ على أن يكون المراد بـ «أوّلهنّ» أُولاهن في الفوات بأن يبدأ بما فاته أوّلاً ، فيقدّم السابق فواتاً على اللاحق ، فتدلّ حينئذ على اعتبار الترتيب.
ولكنّ هذا المعنى غير ظاهر ، لعدم كونه بيّناً في نفسه ولا مبيّناً ، ومن الجائز أن يراد أُولاهن في مقام القضاء ، بأن تكون الصحيحة ناظرة إلى بيان كيفية
__________________
(١) المغني ١ : ٤٢٤ ، الشرح الكبير ١ : ٤٧٢ ، حلية العلماء ٢ : ١٧.
(٢) الوسائل ٤ : ٢٩٠ / أبواب المواقيت ب ٦٣ ح ١ ، ٨ : ٢٥٤ / أبواب قضاء الصلوات ب ١ ح ٤.