الثاني : ما ذكره المحقّق الهمداني قدسسره من تبعية القضاء للأداء ، فإنّ القضاء وإن كان بأمر جديد لكنّه يكشف لا محالة عن تعدّد المطلوب في الوقت وأنّ مطلوبية العمل غير منتفية بفواته ، وعليه فالصلاة المقضيّة هي بعينها الماهية المطلوبة في الوقت ، فيجب مراعاة جميع الأحكام عدا الناشئ منها من خصوصية الوقت ، وحيث إنّ من تلك الأحكام ثبوت التخيير في المقام كان الحال هو ذلك في القضاء ، رعاية لقانون التبعية (١).
ويتوجّه عليه : ما عرفت سابقاً (٢) من منع التبعية ، وأنّ الأمر بالقضاء لازم أعم لتعدّد المطلوب ، فلا يكاد ينكشف به ذلك لملاءمته مع وحدته أيضاً ، بل هي الظاهر من الأمر بالصلاة مقيّدة بالوقت كما لا يخفى ، فاذا سقط هذا الأمر بخروج الوقت وتعلّق أمر جديد بالقضاء فلا دليل على ثبوت التخيير في الأمر الجديد أيضاً ، وإنّما التخيير كان ثابتاً في خصوص الأمر الساقط فقط.
الثالث : الاستصحاب ، بدعوى أنّ الأمر التخييري كان ثابتاً في الأداء ويحكم بثبوته في القضاء أيضاً عملاً بالاستصحاب.
ويرد عليه أوّلاً : المنع عن جريان الاستصحاب في الشبهات الحكمية ، فانّا وإن بنينا على جريانه في الأحكام غير الإلزامية كالإباحة والطهارة على ما بيّناه في الأُصول (٣) إلّا أنّا لا نلتزم بجريانه في خصوص المقام ، لأجل المعارضة التي لأجلها منعنا جريانه في الأحكام الإلزامية.
وذلك لأنّ الوظيفة الأوّلية المقرّرة في حقّ المسافر إنّما هي القصر ، وإنّما جعل التخيير لمن كان في إحدى الأماكن المعيّنة ، تخصيصاً لما تقتضيه القاعدة الأوّلية. إذن فالتخيير في المقام مجعول للشارع ، وليس كالإباحة التي لا تحتاج إلى الجعل ، وعلى هذا فاستصحاب بقاء التخيير إلى ما بعد خروج الوقت
__________________
(١) مصباح الفقيه (الصلاة) : ٦١٧ السطر ٣٤.
(٢) في ص ٨١.
(٣) مصباح الأُصول ٣ : ٤٧.