وهذه كبرى كلّية نستدلّ بها في كثير من المسائل الآتية ، وهي أنّ كلّ من خوطب بالتمام لجهة من الجهات التي منها التردّد أو العزم على الرجوع كما في المقام فلا تنقلب وظيفته إلى القصر إلّا إذا قصد من مكانه السير ثمانية فراسخ ولو ملفّقة ، وإلّا فهو باقٍ على التمام.
نعم ، ربما يستدلّ للتقصير في المقام برواية إسحاق بن عمار الواردة في قوم تردّدوا في السير أثناء الثمانية ، حيث قال عليهالسلام فيها : «وإن كانوا ساروا أقل من أربعة فراسخ فليتمّوا الصلاة ما أقاموا ، فإذا مضوا فليقصّروا» (١) حيث حكم عليهالسلام بالتقصير لدى المضي والعود إلى الجزم السابق.
ولكنّها قاصرة الدلالة ، إذ لم يفرض فيها كون الباقي من السير بعد العود إلى الجزم السابق أقل من المسافة كما هو محلّ الكلام ، فانّ مورد السؤال عن قوم خرجوا في سفر ... إلخ ، ولم يقيّد بكونه ثمانية بشرط لا ، ولعلّه كان أكثر منها بكثير ، بحيث كان الباقي بعد العود إلى الجزم بنفسه ثمانية فراسخ أو أكثر.
نعم ، إطلاقها بمقتضى ترك الاستفصال يشمل ما إذا كان الباقي أقل من المسافة ، فلا تدلّ على حكم المقام إلّا بالإطلاق ، القابل للتقييد بمقتضى النصوص الدالّة على أنّه لا يقصّر بعد الحكم بالتمام إلّا بعد قصد الثمانية ، بل لا مناص من ارتكاب التقييد على ما عرفت آنفاً عند بيان الكبرى الكلِّيّة. فتكون أجنبية عن محلّ الكلام.
فالرواية ساقطة عن الاستدلال لضعفها سنداً كما تقدّم (٢) ودلالة. والمتعيّن هو الحكم بالتمام حسبما ذكرناه.
__________________
(١) الوسائل ٨ : ٤٦٦ / أبواب صلاة المسافر ب ٣ ح ١٠.
(٢) في ص ٦٨.