وحينئذ فقد يتوهّم التخصيص ، نظراً إلى ما ذكرناه في الأُصول (١) من أنّ الوصف وإن لم يكن له مفهوم بالمعنى المصطلح ، ولذا لا مانع من ثبوت الحكم في غير مورد الوصف بعنوان آخر ، إلّا أنّه يدلّ لا محالة على أنّ موضوع الحكم لم يكن هو الطبيعي على إطلاقه وسريانه ، وإلّا لكان التقييد جزافاً ولغواً ظاهراً لا يليق بكلام الحكيم إلّا أن تكون هناك نكتة ظاهرة وإن كانت هي الغلبة ، كما في قوله تعالى ﴿وَرَبائِبُكُمُ اللّاتِي فِي حُجُورِكُمْ ... إلخ (٢). وعليه فالتقييد المزبور يكشف عن عدم تعلّق الحكم بمطلق البلدين بطبيعة الحال.

ولكنّه لا يتم ، أمّا أوّلاً : فلأنّ النكتة المذكورة موجودة هنا أيضاً ، ضرورة أنّ الغالب في مَن يقدم البلدين الشريفين إيقاع صلواته ولا سيما الظهرين والعشاءين في المسجدين العظيمين ، اللّذين أُعدّا للصلاة ، ولا يخفى فضلهما وقداستهما كما هو واضح.

وثانياً : أنّ الروايات المشتملة على التقييد المزبور روايات أربع ، وكلّها ضعيفة السند ، فليست لدينا رواية معتبرة تضمّنت التقييد بالمسجدين في كلام الإمام عليه‌السلام ليدّعى دلالتها على المفهوم ، فإنّه من قبيل السالبة بانتفاء الموضوع.

وإليك هذه الروايات :

فمنها : رواية عبد الحميد خادم إسماعيل بن جعفر عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : تتمّ الصلاة في أربعة مواطن ، في المسجد الحرام ، ومسجد الرسول ، ومسجد الكوفة ، وحرم الحسين عليه‌السلام» (٣).

__________________

(١) محاضرات في أُصول الفقه ٥ : ١٣٣ وما بعدها.

(٢) النِّساء ٤ : ٢٣.

(٣) الوسائل ٨ : ٥٢٨ / أبواب صلاة المسافر ب ٢٥ ح ١٤.

۴۴۱