محض يقتصر على مورده وهو مكان التردّد ، فلو خرج عن ذلك المكان رجع إلى القصر ولو لم يكن الباقي مسافة ، كما لو خرج من النجف قاصداً وطنه بغداد فلما وصل المحمودية بقي ثلاثين يوماً متردّداً ثمّ خرج نحو وطنه الذي هو دون المسافة ، فهل يتم في الطريق لعدم قصده مسافة مستأنفة ، أو أنّه يرجع إلى القصر؟
المعروف والمشهور هو الأوّل ، فألحقوا الثلاثين بقصد الإقامة. ونسب الثاني إلى المحقّق البغدادي قدسسره (١) بدعوى خلوّ نصوص الثلاثين عن الدلالة على القطع بوجه ، بل غايتها الإتمام في ذلك المكان ، فيرجع فيما عداه إلى عمومات القصر لكلّ مسافر ، ونتيجته انضمام ما بقي من سفره بما سبق وإن لم يكن بنفسه مسافة. ولا يقاس ذلك بناوي الإقامة لدلالة النص فيه وهو صحيح أبي ولاد على أنّه يتم ما لم يخرج ، أي خروجاً سفرياً كما مرّ ، ولم يرد مثل هذا الدليل في المقام. فعمومات القصر محكّمة.
أقول : ما أفاده قدسسره من خلو نصوص الباب عن الدلالة على القطع صحيح في حدّ نفسه ، إذ لم يدلّ دليل على خروج المتردّد المزبور عن عنوان المسافر وإن طالت المدّة وبلغت الثلاثين ، بل هو مسافر عُرفاً وشرعاً ووجداناً وقد عرفت عدم الدليل على التنزيل منزلة الأهل لينتج القطع الموضوعي حتّى في المقيم ، فضلاً عن المتردّد.
إلّا أنّ بناء المسألة على القطع بهذا المعنى لا وجه له ، فلا يدور الحكم مداره بل القطع الحكمي الراجع إلى التخصيص الذي لا ريب في دلالة النصوص عليه كما كان هو الحال في قاطعيّة الإقامة على ما عرفت سابقاً (٢) كافٍ في هذا الحكم ، وذلك لأجل الكبرى الكلّية والقاعدة العامّة المستفادة من النصوص على
__________________
(١) حكاه عنه في الجواهر ١٤ : ٢٤٣.
(٢) في ص ٩٠ ، ٢٥٨.