والمقام من هذا القبيل ، فإنّ أدلّة القول بالمضايقة على تقدير تماميتها إنّما كان مفادها وجوب المبادرة إلى القضاء الذي هو في نفسه حكم حرجي ، فكيف يمكن رفعه بدليل نفي الحرج.

ثالثها : قيام السيرة من المتشرّعة على عدم المبادرة إلى القضاء ، فإنّه قلّ من لا تكون ذمّته مشغولة بها ولا سيما في أوائل البلوغ ، ومع هذا نراهم يشتغلون بالكسب ويتعاطون أُمورهم العادية من دون مبادرة منهم إلى القضاء. فجريان السيرة على ذلك خلفاً عن سلف المتّصلة بزمان المعصوم عليه‌السلام خير دليل على العدم.

وفيه ما لا يخفى ، فإنّ السيرة الجارية عند الأكثر مستندها هي المسامحة وعدم المبالاة بأمر الدين ، ولأجل ذلك تراهم لا يبادرون إلّا القليل إلى تفريغ الذمّة عن حقوق الناس التي لا إشكال في فوريتها.

وعلى الجملة : إن كان مورد السيرة المدّعاة هم المتشرّعة فهي ممنوعة ، وإن كان الأعمّ منهم وممّن لا يبالي بالدين فهي مرفوضة.

رابعها : وهو العمدة الأخبار الواردة ، ولنذكر المهمّ منها معرضين عن الباقي الذي منه ما ورد في نوم النبي صلى‌الله‌عليه‌وآله عن صلاة الفجر وأمره صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم بالارتحال بعد الانتباه عن ذلك المكان والقضاء في مكان آخر ، وقد مرّت الإشارة إلى بعض ذلك (١) وقلنا (٢) إنّ هذه الروايات وإن تمّت دلالة وسنداً ممّا يشكل الاعتماد عليها والتصديق بمضمونها فلا بدّ من ردّ علمها إلى أهله ، أو حملها على بعض المحامل كالتقيّة ونحوها.

وكيف ما كان ، فالمهمّ من بين الأخبار التامة سنداً ودلالة صحيحتان :

إحداهما : صحيحة أبي بصير عن أبي عبد الله عليه‌السلام «قال : إن نام رجل ولم يصلّ صلاة المغرب والعشاء أو نسي فإن استيقظ قبل الفجر قدر ما

__________________

(١) في ص ١٦٣.

(٢) في ص ١٦٧.

۳۱۴۱