علمنا بنجاسة أحد الإناءين ثم علمنا تفصيلاً بنجاسة أحدهما بالخصوص كان اللازم قبل حصول العلم الثاني الاجتناب عن كلا الإناءين لأجل العلم الإجمالي المنجّز ، وأمّا بعد حصوله وانحلال العلم الإجمالي بانقلابه إلى علم تفصيلي وشكّ بدوي ، فلا محالة يرجع في نفي المشكوك فيه إلى أصالة البراءة لفقد المنجّز بالنسبة إليه بقاءً وإن كان ذلك موجوداً بالنسبة إليه في وقت ما.
وهذا هو الحال في محلّ الكلام ، فانّ العلم إنّما كان منجّزاً في ظرف تحقّقه وأمّا في هذه الحال وبعد انحلاله بعلم تفصيلي وشكّ بدوي فلا بقاء له كي يكون منجّزاً ، ولا أثر للتنجيز السابق بعد زوال موجبه ، فيكون الشكّ في المقدار الزائد شكّاً في التكليف غير المنجّز بالفعل ، ويرجع في نفيه إلى أصالة البراءة.
وأمّا القول الرابع وهو الاكتفاء بالظنّ بالفراغ فقد نسبه في الحدائق (١) نقلاً عن المدارك (٢) إلى المقطوع به من كلام الأصحاب قدسسرهم معترفاً بعدم ورود نصّ في ذلك.
ولكنّه غير واضح ، فانّ العلم الإجمالي الدائر بين الأقلّ والأكثر إن لم ينحلّ وجب الاحتياط بمقدار يحصل معه العلم بالفراغ ، عملاً بقاعدة الاشتغال كما اختار ذلك صاحب الحدائق قدسسره ، ولا يكفي حينئذ الظنّ بالفراغ ، فانّ الاشتغال اليقيني يستدعي اليقين بالفراغ ، ومع الظنّ به يبقى باب الاحتمال مفتوحاً وإن كان الاحتمال موهوماً.
وإن انحلّ العلم الإجمالي كما هو الأظهر على ما مرّ فلا حاجة إلى تحصيل الظن ، بل يكفي حينئذ الاقتصار على المقدار المتيقّن به ، وينفى الزائد وإن كان مظنوناً بالأصل. فهذا القول أردأ الأقوال في المسألة ، فإنّه إمّا لا يكفي الظنّ أو أنّه لا حاجة إليه بعد عدم الدليل على حجّيته وكونه ملحقاً شرعاً بالشك.
__________________
(١) الحدائق ١١ : ٢٠.
(٢) المدارك ٤ : ٣٠٦.