مضافاً إلى قصور المقتضي ، لاختصاص دليل اعتبارهما الذي عمدته صحيحة زرارة (١) بحال العلم ، فينتفي اعتبارهما واقعاً في حال الجهل والتردّد. ولا مانع من أخذ العلم بالحكم في موضوع نفسه مع اختلاف المرتبة كما تقدّم.
وهل التخيير الثابت فيما ذكرناه مشروط بحصول الموافقة الاحتمالية للفائتة بأن يجهر في إحدى الصلاتين ويخفت في الأُخرى مخيّراً بينهما ، فلا يجوز الإجهار أو الإخفات فيهما معاً لاستلزامه المخالفة القطعية ، إذ الفائتة مردّدة بين جهرية وإخفاتية ، فيكون الإتيان بالصلاتين معاً جهراً أو إخفاتاً مخالفة للواقع في إحداهما قطعاً ، أو أنّ التخيير ثابت مطلقاً حتى وإن استلزم ذلك؟
الظاهر هو الثاني ، لعدم حصول المخالفة القطعية إلّا في موارد الأحكام الواقعية الثابتة في حالتي العلم والجهل ، لا مثل المقام ممّا كان الحكم فيه منوطاً بحال العلم ، ومنتفياً ظاهراً وواقعاً في حال الجهل كما دلّت عليه صحيحة زرارة على ما عرفت.
وعليه فاذا أجهر مثلاً في الصلاتين معاً فقد علم بالمخالفة في إحداهما ، إلّا أنّ هذا العلم الحاصل فيما بعد لا أثر له ، ولا يترتّب عليه تنجيز الحكم بعد فرض جهله بالجهر أو الإخفات حال الإتيان بالعمل. ففي ظرف الامتثال لم يثبت في حقّه وجوب الجهر أو الإخفات ، لأجل جهله المانع عن توجّه الحكم بالإضافة إليه بعد فرض تقوّمه بالعلم ، بل إنّه بهذا الاعتبار لا يكون احتمال المخالفة فضلاً عن القطع بها كما لا يخفي.
وعليه فبعد قصور دليل الاعتبار عن الشمول لمثل ذلك يشمله الإطلاق في صحيحة علي بن أسباط بطبيعة الحال.
وهل يثبت التخيير حتى في الصلاة الواحدة بأنّ يجهر في إحدى الركعتين الأُوليين ويخفت في الأُخرى؟ مقتضى الإطلاق في صحيحة علي بن أسباط جواز ذلك. لكنّه مشكل ، للزوم المخالفة القطعية في شخص الصلاة ، للعلم
__________________
(١) الوسائل ٦ : ٨٦ / أبواب القراءة في الصلاة ب ٢٦ ح ١ ، وقد تقدمت في ص ١٤٤.