وهل يعتبر الحدّ المذكور من مكّة أو من المسجد؟ وجهان ، أقربهما الأوّل (*) ومن كان على نفس الحد فالظاهر أن وظيفته التمتّع ، لتعليق حكم الإفراد والقران على ما دون الحد ، ولو شكّ في كون منزله في الحد أو خارجه وجب عليه الفحص ومع عدم تمكّنه يراعي الاحتياط وإن كان لا يبعد القول (**) بأنّه يجري عليه حكم الخارج فيجب عليه التمتّع ، لأنّ غيره معلق على عنوان الحاضر وهو


فالواجب عليه الإفراد أو القرآن ، فلا بدّ من ملاحظة حدّ السفر الموجب للقصر ، وقد حقق في محلّه أن حدّ السفر أربعة فراسخ أي مقدار اثني عشر ميلا.

وبتعبير آخر : كل من كان دون الحد كما يجب عليه التمام لعدم صدق المسافر عليه كذلك يجب عليه الإفراد أو القرآن لصدق الحاضر عليه ، ومن كان فوق الحد يصدق عليه المسافر فيجب عليه التمتّع ، فالعبرة بصدق عنوان المسافر والحاضر.

ويرد عليه أوّلاً : أن التحديد بأربعة فراسخ ليس من جهة دخل ذلك في صدق عنوان السفر ، فإن موضوع السفر لم يحدد بأربعة فراسخ لا لغة ولا عرفاً ، وإنما التحديد راجع إلى تخصيص الحكم بالنسبة إلى قصر الصلاة وتمامها.

وثانياً : أنّ الآية الكريمة غير ناظرة إلى الحضور مقابل السفر وإنما تنظر إلى الحضور في البلد الحرام في قبال الغياب عنه والحضور في غيره ، فالمراد من قوله تعالى ﴿ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ (١) من لم يكن من أهل مكّة وسكنتها ، وذلك يصدق على من كان يسكن غير بلدة مكّة سواء كان قريباً أو بعيدا.

وإن شئت قلت : إن المكلفين على قسمين ، قسم يسكن مكّة المكرّمة وقسم يسكن غير بلدة مكّة ، والآية ناظرة إلى تقسيم المكلفين إلى قسمين من حيث مسكنهم وأوجب الله تعالى التمتّع على من لم يكن من سكنة مكّة المعظمة.

__________________

(*) بل الثاني.

(**) هذا هو الصحيح ، وعليه فلا يجب الفحص مع الشك ، كما لا يجب الاحتياط مع عدم التمكن منه.

(١) البقرة ٢ : ١٩٦.

۴۶۹