تبرّعي لا شاهد عليه ، فلا يمكن المصير إليه ، وأنّ مقتضى الجمع العرفي هو الأوّل.

لكن الصحيح هو الجمع الذي ذكره الشيخ ، وليس الأوّل من الجمع العرفي في شي‌ء ، فانّ الحمل على الاستحباب إنّما يتّجه فيما إذا كان الدليل الآخر المقابل للوجوب صالحاً للقرينية ، بحيث لو جمعا في كلام واحد وأُلقيا على العرف لم يرَ العرف تنافياً بين الصدر والذيل ، ولم يبق متحيّراً ، بل يجعل أحدهما قرينة على التصرّف في الآخر وكاشفاً عن المراد منه ، كما في مثل قوله : افعل ، وقوله : لا بأس بتركه ، إذ يرى العرف أنّ الترخيص في الترك قرينة على إرادة الاستحباب من الأمر.

وليس المقام من هذا القبيل بالضرورة ، فإنّ أحد الدليلين متضمّن للأمر والآخر للنهي ، وبينهما كمال المنافاة ، فلو جمعا في كلام واحد وقيل : «يعيد بركوعه» كما في صحيحة ابن يقطين و «لا يعود» كما في الموثّقة بقي أهل العرف متحيّرين ، ورأوا تناقضاً في الكلام.

فالجمع الدلالي بهذا النحو متعذّر ، والمعارضة مستقرّة ، إذ قد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر ، والمتعيّن إنّما هو الجمع الثاني الذي ذكره الشيخ ، وليس هو من الجمع التبرّعي في شي‌ء.

وتوضيحه : أنّ النسبة بين الدليلين وإن كان هو التباين ، حيث إنّ كلا منهما مطلق من حيث العمد والسهو ، وقد تعلّق النهي بعين ما تعلّق به الأمر كما عرفت ، لكن فرض السهو وما يلحق به من اعتقاد الرفع خارج عن إطلاق موثّقة غياث جزماً ، للقطع الخارجي بجواز العود حينئذ ، وقد تسالم عليه الفقهاء ، ومن هنا اختلفوا في وجوبه أو استحبابه ، الكاشف عن المفروغية عن الجواز والمشروعية من غير نكير.

ويؤيّد القطع المزبور موثّقة ابن فضال قال : «كتبت إلى أبي الحسن الرضا

۴۳۵۱