فإن قلت : نحن نرى أنّه إذا عيّن الشارع طريقا للواقع عند انسداد باب العلم به ثمّ انسدّ باب العلم بذلك الطريق ، كان البناء على العمل بالظنّ في الطريق دون نفس الواقع ؛ ألا ترى : أنّ المقلّد يعمل بالظنّ في تعيين المجتهد لا في نفس الحكم الواقعيّ ، والقاضي يعمل بالظنّ في تحصيل الطرق المنصوبة لقطع المرافعات لا في تحصيل الحقّ الواقعيّ بين المتخاصمين؟
قلت : فرق بين ما نحن فيه وبين المثالين ، فإنّ الظنون الحاصلة للمقلّد والقاضي في المثالين بالنسبة إلى الواقع امور غير مضبوطة كثير المخالفة للواقع ، مع قيام الإجماع على عدم جواز العمل بها كالقياس ، بخلاف ظنونهما المعمولة في تعيين الطريق ؛ فإنّها حاصلة من أمارات منضبطة غالب المطابقة لم يدلّ دليل بالخصوص على عدم جواز العمل بها.
فالمثال المطابق لما نحن فيه : أن يكون الظنون المعمولة في تعيين الطريق بعينها هي المعمولة في تحصيل الواقع لا يوجد بينهما فرق من جهة العلم الإجماليّ بكثرة مخالفة إحداهما للواقع ، ولا من جهة منع الشارع عن إحداهما (١) بالخصوص ، كما أنّا لو فرضنا أنّ الظنون المعمولة في نصب الطريق على العكس في المثالين (٢) كان المتعيّن العمل بالظنّ في نفس الواقع دون الطريق.
فما ذكرنا : من العمل على الظنّ سواء تعلّق بالطريق أم بنفس
__________________
(١) في (ظ) ، (ل) و (م) : «أخذها» ، وفي (ص) : «أخذهما».
(٢) في (ظ) ، (ل) و (م) : «من المثالين».