استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد
الأفراد متّصفةً بصفةٍ لأمرٍ عارضيٍّ أو لأُمورٍ مختلفةٍ ، إلاّ أنّ بناء العرف والعادة على استكشاف حال الحقيقة عن حال أغلب الأفراد ؛ ومن هنا استمرّت العادة على حصول الظنّ بثبوت صفةٍ لفردٍ من ملاحظة أغلب الأفراد ، فإنّ وجود الشيء في أغلب الأفراد لا يمكن (١) الاستدلال به على وجوده في فردٍ غيرها ؛ لاستحالة الاستدلال ولو ظنّاً بالجزئي على الجزئي ، إلاّ أنّه يستدلّ من حال الأغلب على حال القدر المشترك ، ثمّ يستدلّ من ذلك على حال الفرد المشكوك.
المراد بـ «الخلقة الاصليّة»
إذا عرفت هذا تبيّن لك الوجه في تعريف العيب في كلمات كثيرٍ (٢) منهم ب «الخروج عن المجرى الطبيعي» ، وهو ما يقتضيه الخِلقة الأصليّة. وأنّ المراد بالخلقة الأصليّة : ما عليه أغلب أفراد ذلك النوع ، وأنّ ما خرج عن ذلك بالنقص فهو عيبٌ ، وما خرج عنه بالمزيّة فهو كمالٌ ، فالضيعة إذا لوحظت من حيث الخراج فما عليه أغلب الضياع من مقدار الخراج هو مقتضى طبيعتها ، فزيادة الخراج على ذلك المقدار عيبٌ ، ونقصه عنه كمالٌ ، وكذا كونها مورد العساكر.
لو تعارض مقتضى الحقيقة الاصليّة وحال اغلب الافراد
ثمّ لو تعارض مقتضى الحقيقة الأصليّة وحال أغلب الأفراد الّتي يستدلّ بها على حال الحقيقة عرفاً رُجّح الثاني وحُكم للشيء بحقيقةٍ ثانويّةٍ اعتباريّةٍ يُعتبر الصحّة والعيب والكمال بالنسبة إليها. ومن هنا لا يُعدّ ثبوت الخراج على الضيعة عيباً مع أنّ حقيقتها لا تقتضي ذلك ،
__________________
(١) في «ش» : «وإن لم يمكن».
(٢) منهم العلامة في القواعد ٢ : ٧٢ ، وراجع جامع المقاصد ٤ : ٣٢٢ ٣٢٣ ، والحدائق ١٩ : ١١٣ ، ومفتاح الكرامة ٤ : ٦١٠.