ما يرجّح أحدهما على الآخر.
نعم ، المستفاد من الرواية العاشرة فقط ـ وهي خبر سماعة ـ أنّ التوقّف هو الحكم الأوّلي ؛ إذ أرجعه إلى الترجيح بمخالفة العامّة بعد فرض ضرورة العمل بأحدهما ، بحسب فرض السائل.
ولكنّ التأمّل فيها يعطي أنّها لا تنافي أدلّة تقديم الترجيح ، فإنّ الظاهر أنّ المراد منها ترك العمل رأسا ؛ انتظارا لملاقاة الإمام ، لا التوقّف والعمل بالاحتياط.
وبعد هذا يبقى علينا أن نعرف وجه الجمع بين أخبار التخيير ، وأخبار التوقّف فيما ذكرناه من الأخبار المتقدّمة. وقد ذكروا وجوها للجمع (١) لا يغني أكثرها.
وأنت ـ بعد ملاحظة ما مرّ من المناقشات في الأخبار التي استظهروا منها التخيير ـ تستطيع أن تحكم بأنّ التوقّف هو القاعدة الأوّليّة ، وأنّ التخيير لا مستند له ؛ إذ لم يبق ما يصلح مستندا له إلاّ الرواية الأولى ، وهي لا تصلح لمعارضة الروايات الكثيرة الدالّة على وجوب التوقّف ، والردّ إلى الإمام.
أمّا الخامسة ـ وهي مرفوعة زرارة ـ : فهي ضعيفة السند جدّا ، ـ وقد أشرنا فيما سبق إلى ذلك ، وسيأتي بيانه ـ ؛ على أنّ راويها نفسه عقّبها بالمرسلة المتقدّمة بالرقم (١١) الواردة في التوقّف ، والإرجاء.
وأمّا السابعة ـ مرسلة الكلينيّ ـ : فليس من البعيد أنّها من استنباطاته ، حسبما فهمه من الروايات ، لا أنّها رواية مستقلّة في قبال سائر روايات الباب. ويشهد لذلك ما ذكره في مقدّمة «الكافي» من مرسلة أخرى بهذا المضمون : «بأيّهما أخذتم من باب التسليم وسعكم» ، (٢) ؛ لأنّه لم ترد عنده رواية بهذا التعبير إلاّ تلك المرسلة التي نحن بصددها ، وهي بخطاب المفرد ، وهذه بخطاب الجمع. وعليه ، فيظهر أنّ المرسلتين معا هما من مستنبطاته ، فلا يصحّ الاعتماد عليهما.
إذا عرفت ما ذكرناه يظهر لك أنّ القول بالتخيير لا مستند له يصلح لمعارضة أخبار
__________________
(١) الحدائق الناضرة : ١ : ١٠٠. وراجع أيضا فرائد الأصول ٢ : ٧٦٣.
(٢) الكافي ١ : ٨.