ويرجع النزاع ـ في الحقيقة ـ إلى النزاع في مقدار دلالة نسخ الوجوب ، فإنّ فيه احتمالين :
١. إنّه يدلّ على رفع خصوص المنع من الترك فقط ، وحينئذ تبقى دلالة الأمر على الجواز على حالها لا يمسّها النسخ ، وهو القول الأوّل. ومنشأ هذا أنّ الوجوب ينحلّ إلى الجواز والمنع من الترك ، ولا شأن في النسخ إلاّ رفع المنع من الترك فقط ، ولا تعرّض له لجنسه وهو الجواز ، أي الإذن في الفعل.
٢. إنّه يدلّ على رفع الوجوب من أصله ، فلا يبقى لدليل الوجوب شيء يدلّ عليه. ومنشأ هذا هو أنّ الوجوب معنى بسيط لا ينحلّ إلى جزءين ، فلا يتصوّر في النسخ أنّه رفع للمنع من الترك فقط.
والمختار هو القول الثاني ؛ لأنّ الحقّ أنّ الوجوب أمر بسيط ، وهو الإلزام بالفعل ، (١) ولازمه المنع من الترك ، كما أنّ الحرمة هي المنع من الفعل ، ولازمها الإلزام بالترك ، وليس الإلزام بالترك ـ الذي معناه وجوب الترك ـ جزءا من معنى حرمة الفعل ، وكذلك المنع من الترك ـ الذي معناه حرمة الترك ـ ليس جزءا من معنى وجوب الفعل ، بل أحدهما لازم للآخر ينشأ منه تبعا له.
فثبوت الجواز بعد النسخ للوجوب يحتاج إلى دليل خاصّ يدلّ عليه ولا يكفي دليل الوجوب ، فلا دلالة لدليل الناسخ ولا لدليل المنسوخ على الجواز ، ويمكن أن يكون الفعل بعد نسخ وجوبه محكوما بكلّ واحد من الأحكام الأربعة الباقية.
وهذا البحث لا يستحقّ أكثر من هذا الكلام ؛ لقلّة البلوى به. وما ذكرناه فيه الكفاية.
١٠. الأمر بشيء مرّتين
إذا تعلّق الأمر بفعل مرّتين فهو يمكن أن يقع على صورتين :
١. أن يكون الأمر الثاني بعد امتثال الأمر الأوّل. وحينئذ لا شبهة في لزوم امتثاله ثانيا.
__________________
ـ المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ١٧٣ ، والسيّد الامام الخمينيّ في مناهج الوصول ٢ : ٨١ ، والمحقّق الخوئيّ في المحاضرات ٤ : ٢٢.
(١) فإنّ الوجوب ـ وهو الإلزام بالفعل ـ أمر اعتباريّ ، والاعتبار بسيط فى غاية البساطة.