منصوص العلّة ، وقياس الأولويّة ؛ فإنّ القياس فيهما حجّة. وبعض قال : «لا ، إنّ الدليل الدالّ على حرمة الأخذ بالقياس شامل للقسمين ، وليس هناك ما يوجب استثناءهما». (١)

والصحيح أن يقال : إنّ منصوص العلّة وقياس الأولويّة هما حجّتان ، ولكن لا استثناء من القياس ؛ لأنّهما في الحقيقة ليسا من نوع القياس ، بل هما من نوع الظواهر ، فحجّيّتهما من باب حجّيّة الظهور. (٢) وهذا ما يحتاج إلى البيان ، فنقول :

منصوص العلّة

أمّا منصوص العلّة : فإن فهم من النصّ على العلّة أنّ العلّة عامّة على وجه لا اختصاص لها بالمعلّل ـ الذي هو كالأصل في القياس ـ فلا شكّ في أنّ الحكم يكون عامّا شاملا للفرع ، مثل ما لو قال : «حرم الخمر ؛ لأنّه مسكر» ، فيفهم منه حرمة النبيذ ؛ لأنّه مسكر أيضا. وأمّا : إذا لم يفهم منه ذلك فلا وجه لتعدية الحكم إلى الفرع إلاّ بنوع من القياس الباطل ، مثل ما لو قيل : «هذا العنب حلو ؛ لأنّ لونه أسود» ؛ فإنّه لا يفهم منه أنّ كلّ ما لونه أسود حلو ، بل العنب الأسود خاصّة حلو.

وفي الحقيقة أنّه بظهور النصّ في كون العلّة عامّة ينقلب موضوع الحكم من كونه خاصّا بالمعلّل إلى كون موضوعه كلّ ما فيه العلّة ، فيكون الموضوع عامّا يشمل المعلّل (الأصل) وغيره ، ويكون المعلّل من قبيل المثال للقاعدة العامّة ، لا أنّ موضوع الحكم هو خصوص المعلّل (الأصل) ونستنبط منه الحكم في الفرع من جهة العلّة المشتركة ، حتى يكون المدرك مجرّد الحمل والقياس ، كما في الصورة الثانية ، أي التي لم يفهم فيها عموم العلّة.

ولأجل هذا نقول : إنّ الأخذ بالحكم في الفرع في الصورة الأولى يكون من باب الأخذ

__________________

ـ ما كان منصوص العلّة ، وبالطريق الأولى وإن كانا حجّتين ، إلاّ أن حجيّتهما ليست من باب القياس. راجع : مبادئ الوصول إلى علم الأصول : ٢١٧ ـ ٢١٨.

(١) الحدائق الناضرة ١ : ٦٥.

(٢) ولعلّه مراد العلاّمة من قوله : «بالنصّ ، لا بالقياس».

۶۸۸۱