* النتيجة
فقد تحقّق ممّا بيّنّاه أنّ الحروف لها معان تدلّ عليها ، كالأسماء ، والفرق أنّ المعاني الاسميّة مستقلّة في أنفسها ، وقابلة لتصوّرها في ذاتها ، وإن كانت في الوجود الخارجيّ محتاجة إلى غيرها كالأعراض ، وأمّا المعاني الحرفيّة فهي معان غير مستقلّة وغير قابلة للتصوّر إلاّ في ضمن مفهوم آخر. ومن هنا يشبّه كلّ أمر غير مستقلّ بالمعنى الحرفيّ.
* بطلان القولين الأوّلين
وعلى هذا ، فيظهر بطلان القول الثاني القائل : إنّ الحروف لا معاني لها ، وكذلك القول الأوّل القائل : إنّ المعنى الحرفيّ والاسميّ متّحدان بالذات ، مختلفان باللحاظ.
ويردّ هذا القول أيضا أنّه لو صحّ اتّحاد المعنيين لجاز استعمال كلّ من الحرف والاسم في موضع الآخر ، مع أنّه لا يصحّ بالبداهة حتى على نحو المجاز ، فلا يصحّ بدل قولنا : «زيد في الدار» ـ مثلا ـ أن يقال : «زيد ، الظرفيّة ، الدار».
وقد أجيب عن هذا الإيراد (١) بأنّه إنّما لا يصحّ [استعمال] أحدهما في موضع الآخر ؛ لأنّ الواضع اشترط ألاّ يستعمل لفظ «الظرفيّة» إلاّ عند لحاظ معناه مستقلاّ ، ولا يستعمل لفظ «في» إلاّ عند لحاظ معناه غير مستقلّ ، وآلة لغيره (٢).
ولكنّه جواب غير صحيح ؛ لأنّه لا دليل على وجوب اتّباع ما يشترطه الواضع إذا لم يكن اشتراطه يوجب اعتبار خصوصيّة في اللفظ والمعنى ؛ وعلى تقدير أن يكون الواضع ممّن تجب طاعته فمخالفته توجب العصيان لا غلط الكلام (٣).
__________________
(١) والمجيب هو المحقّق الخراسانيّ في كفاية الأصول : ٢٧.
(٢) بين المحقّقين النائينيّ والعراقيّ رحمهالله في تفسير كلام المحقّق الخراسانيّ اختلاف. وما في المتن موافق لتفسير النائينيّ رحمهالله. والحقّ هو ما ذكره العراقيّ رحمهالله. راجع فوائد الأصول ١ : ٣٣ ، نهاية الأفكار ١ : ٤٤ ـ ٤٥.
(٣) واعلم أنّ إيراد المصنّف لا يرد على ما هو الحقّ من تفسير المحقّق العراقيّ رحمهالله.